هل يدل استبعاد إنجيل برنابا على تحريف متعمّد للكتاب المقدس، وكيف يمكن تفسير التناقض بينه وبين الأناجيل الأربعة، خاصة بشأن هوية المسيح؟

 

يعلم أي باحث ودارس لغوي وتاريخي أن ذلك الكتاب الذي يُعرف باسم “إنجيل برنابا” قد قام بترجمته من اللغة الإنجليزية إلى العربية د/ خليل سعادة وذلك في عام 1907م وتمت طباعته عام 1958م، وعليه، فإن ذلك الكتاب لم يظهر باللغة العربية إلا عام 1907م، وقد ذكر المترجم ذاته أن هذا الإنجيل هو إنجيل مزيّف وأن من كتبه هو يهودي أو مسيحي أعلن إسلامه وبالتالي يكون زمن كتابته بعد القرن السابع الميلادي، ففي “إنجيل برنابا” (فصل70): ماذا يقول الناس عني؟ أجابوا: يقول البعض أنك إيليا وآخرون إرميا وآخرون أحد الأنبياء، أجاب يسوع: وما قولكم أنتم فيّ؟ أجاب بطرس: إنك المسيح ابن الله، فغضب حينئذ يسوع وانتهره بغضب قائلاً: اذهب وانصرف عني لأنك انت الشيطان وتحاول أن تُسئ إليّ، ثم هدد الأحد عشر قائلاً: ويل لكم إذا صدقتكم هذا، لأني ظفرت بلعنة كبيرة من الله على كل من يصدق هذا، وهذا يتناقض مع ما ورد في إنجيل “متى”: وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا: «قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ وَآخَرُونَ إِيلِيَّا وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ».قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (مت16: 13- 17) وأيضاً: (مر8:27 – 30) (لو9:18-21)

ففي ذلك الإنجيل المزيف ينفي المسيح أنه المسيح ابن الله، فمن يكون إذن؟!، ولذلك، فإن كاتب ذلك الإنجيل المزيف قد إستقى مادته من عدة مصادر: من الكتاب المقدس ومن القرآن، ويؤكد الكثير من الباحثين أن ذلك الكتاب قد تمت كتابته بعد القرن الـ 15م،

وذلك لعدة أسباب وهي: السبب الأول

أن النسخة الأصلية من ذلك الإنجيل المزيف هي نسخة إسبانية وقيل أن هناك نسخة إيطالية أقدم منها ولكن لم يتم العثورعليها، وقد تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ثم إلى العربية، ومن أشهر العلماء والأدباء الذين قاموا بتفنيد ونقد ذلك الإنجيل المزيف هو الكاتب والعالم والأديب/ “عباس العقاد”، حيث كتب العقاد مقالاً في جريدة الأخبار بتاريخ: 26 – 10 – 1959م مؤكداً أنه إنجيل مزّيف ولا يمت بصلة للأناجيل القانونية المعترف بها في الكتاب المقدس لدى الكنيسة، فقد قدّم عدة أدلة منها ما يؤكد أن زمن كتابته هو القرن الـ15م، حيث ذكر ذلك الإنجيل أن “نيقوديموس” عندما كفّن جسد المسيح قام بشراء مئة رطل من الحنوط أي المواد العطرية، كما جاء في (فصل 217) حيث يقول: “فأنزلوه من ثم عن الصليب ببكاء لا يصدقه أحد، ودفنوه في القبر الجديد ليوسف بعد أن ضمخوه بمئة رطل من الطيوب”، وكلمة (رطل أو أوقية) لم تُستخدم إلا في العصر العثماني في القرن الـ 14م، فهذا الوزن لم يكن معروفاً في زمن مجئ المسيح بل كان الوزن المُستخدم يطلق عليه (منًاً) والمن والرطل مقدار كل منهما نصف كيلوجرام، ولكن الكاتب إستخدم لغة عصره أي الرطل، ولذلك فإن ذلك الكتاب قد كتب بعد القرن الـ 14م وليس في العصر الأول المسيحي.
فمن خلال إستخدام لغة وأوزان ومقاييس معينة نستطيع أن نعرف تاريخ الكتابة، فعلى سبيل المثال، إذا ورد في الكتاب المقدس أن جماعة من الناس قد ساروا مسافة ثلاثة كيلومترات يصبح من غير المنطقي أنه كتب في العصرالأول المسيحي، لأن مقياس المسافة الذي كان مستخدماً في ذلك الوقت هو (الغلوة) وليس (الكيلومتر).

السبب الثانى

الأمر الثاني الذي يؤكد لنا أن ذلك الإنجيل المزيف لم يُكتب في العصر الأول المسيحي بل تمت كتابته لاحقاً في القرن الـ15م أن كاتبه لم يعش في فلسطين ولم يكن على علم ودراية بجغرافية الأرض التي يتحدث عنها، فعلى سبيل المثال، عندما يتحدث عن السيد المسيح يخبرنا بأنه قد سافر من أورشليم إلى الناصرة حيث استقل مركباً في بحر الجليل، كما جاء في “إنجيل برنابا”(فصل 20): “وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في المركب مسافراً إلى الناصرة مدينته”، فهو يجهل بالطبع أن مدينة أورشليم لا تطل على بحر الجليل لأنها مبنية على جبل صهيون كما أن الناصرة التي توجد في الجليل تقع على جبل هي الأخرى ولا تطل على بحر الجليل (بحيرة طبرية)، فهو لا يعلم تلك المنطقة على الإطلاق بينما (برنابا الحقيقي) كان مقيماً بها ويعلمها جيداً ولا يمكن أن يخطئ في معلومة جغرافية بهذه الصورة الواضحة.

السبب الثالث

والأمر الثالث الذي يؤكد لنا أيضاً أن ذلك الإنجيل المزيف لم يمت بصلة للعصر الأول المسيحي ولا بتلك الأرض هو أنه يخبرنا بأن اليهود كانوا يضعون الخمر داخل براميل ويدحرجونها، كما جاء في (فصل 152): “ففي الحال تدحرجت الجنود من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب غسلت لتملأ ثانية خمراً”، وبالطبع لم تستخدم البراميل في ذلك الوقت بل إستخدم اليهود الأزقة (جمع زقاق) وهو عبارة عن قربة من الجلد، حيث يضعون عصير العنب ويتركوه ليختمر، كما جاء في إنجيل “متى”:وَلاَ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ لِئَلَّا تَنْشَقَّ الزِّقَاقُ فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعاً». (مت 9:17) و(مر2:22) و(لو5: 37-38)، فقد كانت البراميل تُستخدم فقط في أوروبا لوضع عصير العنب داخلها ليختمر، فمن الواضح أن ذلك الكاتب قد عاش في أوروبا وليس له أية علاقة بفلسطين أو بالعصر الأول المسيحي، كما ذكر أن (سنة اليوبيل) تأتي كل مئة عام، كما جاء في (فصل 82) حيث يقول: حتى أن سنة اليوبيل التي تجئ الآن كل مئة سنة”، مع أنه معلوماً أنها تأتي كل خمسين عاماً، كما جاء في سفر “اللاويين”:وَتُقَدِّسُونَ السَّنَةَ الْخَمْسِينَ وَتُنَادُونَ بِالْعِتْقِ فِي الأَرْضِ لِجَمِيعِ سُكَّانِهَا. تَكُونُ لَكُمْ يُوبِيلاً وَتَرْجِعُونَ كُلٌّ إِلَى مُلْكِهِ وَتَعُودُونَ كُلٌّ إِلَى عَشِيرَتِهِ.(لا25:10)

الخلاصة

فكل هذه الأسباب تؤكد عدم صحة ذلك الإنجيل من خلال استخدام الكاتب لأوزان ومعلومات الجغرافية وطريقة صناعة خمر العنب بشكل يتعارض ولا يمت بصلة للزمان أو للمكان التي دارت فيه الأحداث مما يثبت كتابته بعد القرن الـ15م وفي أوروبا، كما أنه لا توجد نسخة أصلية مكتوبة باللغة اليونانية من ذلك الكتاب، بجانب أن الكاتب استقى مادته من أجزاء من الكتاب المقدس وأجزاء من القرآن وأجزاء من كتابات الشاعر والفيلسوف الإيطالي “داندي” القرن الـ14م، فهو عبارة عن خليط لا يقبله العقل، ومن ذلك أيضاً القصة التي يوردها كاتب “إنجيل برنابا” المزيف عن كيفية ظهور سرة للإنسان، وهي أن خلافاً نشب بين الله والشيطان وعلى إثره قام الشيطان بالبصق على قطعة الطين التي خلق منها الله الإنسان، وعندما جاء الإنسان إلى الحياة ظهرت تلك السرة، كما جاء في(فصل 35): “حينئذ قال الله: انصرفوا عني أيها الملاعين لأنه ليس عندي رحمة لكم وبصق الشيطان أثناء إنصرافه على كتلة التراب، فرفع جبريل ذلك البصاق مع شئ من التراب فكان للإنسان بسبب ذلك سرة في بطنه”، وهذا يتناقض مع الحقيقة البيولوجية التي نعرفها، حيث إن السرة والحبل السري يرتبطان بالمشيمة داخل رحم الأم، وهو ما تعلمناه ودرسناه في كليات الطب، ومن الأدلة الأخرى أيضاً على عدم صحة ذلك الكتاب وزيفه أنه لا يوجد ما يشير إليه في مخطوطات الكتاب المقدس التي لدينا، حيث إنه لدينا (5700 مخطوطة) للعهد الجديد مكتوبة باللغة اليونانية.