هل كلمة “المعزّي” في إنجيل يوحنا تعني النبي محمد؟

من أكثر الاعتراضات التي يطرحها البعض أن كلمة “المعزّي” المذكورة في إنجيل يوحنا تشير في الحقيقة إلى نبي الإسلام محمد، ويقولون إن الكلمة اليونانية باراكليتوس (Parakletos) قد حُرفت عن كلمة أخرى هي بيريكليتوس (Perikletos) التي تعني “المحمود”، أي محمد.
لكن هل هذا صحيح؟ لنفحص الأمر من خلال النصوص واللغة والتاريخ.
النص اليوناني الأصلي
النصوص التي تتحدث عن “المعزّي” وردت في:
• يوحنا 14:16، يوحنا 14:26، يوحنا 15:26، يوحنا 16:7.
• وأيضًا في رسالة يوحنا الأولى 2:1.
وفي كل هذه المواضع نجد كلمة واحدة فقط:
παράκλητος (باراكليتوس).
ومعناها بحسب القواميس اليونانية:
المعزي، الشفيع، المحامي، المعين (BDAG Greek-English Lexicon).
ولا توجد أي مخطوطة يونانية – سواء من القرن الثاني أو الثالث أو الرابع – تذكر كلمة “بيريكليتوس”. النص ثابت ومتطابق في جميع المخطوطات.

الفرق بين الكلمتين
• باراكليتوس (Parakletos): من “بارا” (بجانب) و”كليتوس” (مدعوّ/منادى)، أي “الذي يُستدعى ليكون بجوارك ليساعدك ويدافع عنك”.
• بيريكليتوس (Perikletos): تعني “المحمود جدًا” أو “الأشهر بالمديح”.
لكن:
1. الكلمة الثانية (بيريكليتوس) لا وجود لها في النصوص الأصلية.
2. الفرق بين الكلمتين كبير في المعنى والاستخدام.
3. كل شواهد التاريخ الكنسي والكتابات المبكرة تذكر الكلمة الأولى فقط.

من هو “المعزّي” بحسب المسيح نفسه؟

المسيح لم يترك الأمر غامضًا، بل فسّر بنفسه:
“وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم” (يوحنا 14:26).
“ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي” (يوحنا 15:26).
إذن “المعزي” ليس إنسانًا قادمًا بعد المسيح، بل الروح القدس الذي أرسله الله يوم الخمسين حين حلّ على التلاميذ وأعطاهم القوة ليكرزوا بالإنجيل (أعمال الرسل 2 ).

شهادة التاريخ والآباء
• إيريناوس (القرن الثاني): استخدم نص يوحنا 14:26 وأكد أنه عن الروح القدس.
• ترتليان وأوريجانوس (القرن الثالث) : اقتبسوا النصوص نفسها وفسروها عن الروح القدس.
ولا يوجد أي أب من آباء الكنيسة أو أي مخطوطة قديمة تقول إن النص يشير إلى النبي محمد أو أن الكلمة كانت “بيريكليتوس”.

لماذا ظهر هذا الادعاء؟

هذا الزعم بدأ بعد ظهور الإسلام، كمحاولة لإيجاد ذكر مباشر للنبي محمد في الكتاب المقدس. وبما أن النص يذكر “المعزي”، حاول بعض الكتّاب القول إنه كان في الأصل “بيريكليتوس”.
لكن المشكلة أن هذا الرأي لا يملك أي سند لغوي أو تاريخي، فلو كان النص الأصلي مختلفًا لكنا وجدنا ولو مخطوطة واحدة تشهد بذلك. لكن كل الشواهد متفقة.

الخلاصة

إذن، الادعاء بأن “المعزّي” هو النبي محمد لا يستند إلى أي دليل لغوي أو تاريخي أو لاهوتي.
الكلمة الصحيحة هي باراكليتوس، والمسيح نفسه شرح أن المقصود بها هو الروح القدس. هذا ما أكده الإنجيل والمخطوطات والآباء الأوائل.

ويبقى السؤال:

إذا كان الكتاب المقدس قد امتلأ بالنبوات الدقيقة عن المسيح نفسه، فلماذا لا نجد أي ذكر واضح وصريح لنبي آخر بعده؟

هذه دعوة لك عزيزي القارئ أن تبحث بنفسك، وأن تقرأ النصوص في لغاتها الأصلية وتاريخها، لتدرك أن الحق لا يحتاج إلى تحريف أو تخمين، بل هو واضح وجلي لمن يريد أن يعرفه.