الفصل الرابع
الإسلام: صدمات ومفاجآت واكتشافات
لسنوات عديدة – عندما كنت في مرحلة الالتزام الديني بالإسلام -لا أذكر أنني فكرت أو اعترضت على أية نقطة من نقاط الدين ولم يثر عندي أي تساؤل استنكاري لأحد الأحكام أو لاحظت أمرا يثير ضيقي أو اعتراضي. كنت مسلمة بحق ومؤمنة بالسمع والطاعة لأي شيء يقال أنه من عند الله أو من عند كبار الفقهاء. كنت أؤمن تماما بمبدأ “لا تناقش ولا تجادل ياأخ علي”. ألم يقل القرآن: “وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلࣰا مُّبِینࣰا” [الأحزاب 36]، لم تكن عندي أية مساحة للتفكير أو لبحث ما يُعرض علي من أمور دينية.. فقط كان عليَّ الالتزام والتصديق.
حتى بدأت في اكتشاف قصص المتنصرين والاستماع إلى المناظرات بين الشيوخ والقساوسة. فبدأت بداخلي رحلة التساؤلات التي لم تتوقف بل أخذت في التصاعد على مدار أربعة عشر عاما. لكن رحلة بحثي الحقيقية استمرت بشكل مكثف على مدار ستة أشهر، قرأت خلالها الكتاب المقدس كاملا في نفس الوقت الذي كنت أقرأ فيه القرآن وأبحث في الأحاديث والكتب الفقهية وأحاول البحث عن إجابات أو ردود علماء الدين عن تساؤلاتي. لكن كانت كل هذه الإجابات تزيدني بُعدا ونفورا وعدم اقتناع بما يُقال. وسأحاول أن أُفصّل كل التساؤلات والاكتشافات التي وصلت إليها بشكل عجيب للغاية خاصة خلال الستة أشهر التي سبقت قراري النهائي باعتناق المسيحية. فما اكتشفته في الإسلام خاصة من كم مذهل هي أمور أتمنى أن يتوقف عندها كل مسلم ومسلمة ويفكرون بها بشكل منطقي وعقلاني دون تحيز أو خوف من أي تفكير أو من عواقب أي اكتشاف. والأهم هو الاستعانة بالله والدعاء بأن ينير بصيرتي ويرشدني لكامل الحق. هذا الدعاء هو الذي فتح ليَّ الأبواب، وجعلني أصل لخيوط لم تكن يوما في حسباني. فقد أُصبت بالذهول وأنا اكتشف كل يوم كوارث حقيقة كنت في غفلة شديدة عن التفكُر بها أو حتى معرفتها. ولولا صدق نيتي وعزمي على الوصول للحقيقة مهما كلفني ذلك، لما كنت قد وصلت إلى ربع ما اكتشفته في هذه الفترة الزمنية القصيرة.
ربما تكون المرة الأولى التي تثار بداخلي تساؤلات استنكارية بشأن أمر ديني، هو ما حدث من تصاعد للعمليات الإرهابية في العالم في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث تبنى تنظيم القاعدة تنفيذ عدة تفجيرات وعمليات انتحارية ليس فقط في الدول الغربية غير المسلمة وإنما أيضًا داخل دول إسلامية، أسفرت عن مقتل آلاف الرجال والنساء والأطفال والشيوخ. ورغم سعادتي بما حدث يوم الحادي عشر من سبتمبر وقتها، إلا أنني لم أستطع أن أتقبل فكرة استهداف مدنيين عُزّل من الأبرياء في دول إسلامية. وكنت أعجز عن فهم المبرر الديني الذي يستندون عليه لتبرير قتل المدنيين العُزّل خاصة من المسلمين. وذات يوم قمت بالدخول لأحد مواقعهم الإلكترونية فوجدتهم يبررون ذلك بأن هؤلاء المدنيين يعيشون في دول يفترض أنها ذات غالبية مسلمة لكنها لا تطبق الشريعة الإسلامية، كما أن مواطني تلك الدول أنفسهم لا يثورون على الحكام الذين لا يُطبقون الشريعة ويرضخون للأمر الواقع وبالتالي يحق قتلهم وأن الأطفال منهم أو الأبرياء تماما إذا قتلوا في تلك العمليات فسيكون مصيرهم الجنة! إذا فهم يُسهلون دخول المذنبين إلى جهنم والأبرياء إلى الجنة. فيالها من مهمة سامية!
أصابني الذهول بالطبع وأنا أقرأ مثل تلك التبريرات التي تنطبق عليها مقولة [عذر أقبح من ذنب]. ولم أستطع أبدا إيجاد مبرر لمثل هذا القتل العشوائي الوحشي. وحتى قتل غير المسلمين بدأت في النفور منه مع تكرار الهجمات الإرهابية فسعيت أيضًا إلى البحث عن مبرراتهم لأجد، ليس فقط بعض الأحاديث أو الآراء الفقهية المتشددة، وإنما وجدت العديد من الآيات القرآنية الصريحة التي تعطيهم الذريعة بل والدافع لقتل غير المسلمين. ومن أبرز تلك الآيات الآية الخامسة من سورة التوبة: “فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ حَیۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُوا۟ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدࣲۚ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِیلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ” [التوبة ٥] أتذكر أنني عندما كنت أقرأ تلك الآية – وأظن أن الكثير من المسلمين سيشتركون معي في هذا التصور – كنت أظن أنها تتحدث عن وقت محمد ولا علاقة لنا بها اليوم. لكن من يقرأ تفسير تلك الآية – خاصة من أصحاب الفكر الجهادي – سيعلم جيدا خطورتها وأهميتها لفهم ما يتعلق بمفهوم الجهاد. فالكثير من الفقهاء والمفسرين يطلقون على هذه الآية “آية السيف” التي يقولون إنها نسخت 124 آية أخرى من الآيات التي تدعو للسلم ومهادنة “الكفار”. وتعتبر التيارات السلفية أن هذه الآية هي التي تحدد العلاقة بين المسلم وغير المسلم، مؤكدين أنها تدعو لقتال غير المسلمين في أي مكان وزمان! لذلك فآيات مثل: “لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ” [الممتحنة ٨] وآية “لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ قَد تَّبَیَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَیِّۚ فَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ” [البقرة ٢٥٦] و”وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ” [الأنفال ٦١] و”وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَاۤءَ فَلۡیُؤۡمِن وَمَن شَاۤءَ فَلۡیَكۡفُرۡۚ” [الكهف ٢٩] يُفترض أنه قد تم نسخها بآية السيف. وبالطبع ينكر أصحاب الفكر الوسطي “الجميل” ذلك التفسير ويحبون اللجوء أكثر للآيات التي تظهر تسامح الإسلام واعتداله مع عدم الحديث عن مثل تلك الآيات التي تدعو للقتال مؤكدين أن لها زمانها وتبريراتها، وهو ما كنت أنا شخصيا مقتنعة به حتى وقت ما، لكنني عندما كنت أقرأ القرآن بانتظام كنت أشعر بتناقض بين الآيات التي تدعو للسلم وحرية الاعتقاد وتلك التي تدعو لقتال المشركين “كافة”. وعندما كنت أبحث لأفهم، كنت أفاجأ بعشرات التفسيرات. فكلٍ يرى من منظوره الخاص ومن المنطلق الفكري الذي يؤمن به، وهو ما قادني إلى تساؤل آخر شديد الأهمية عن التناقض بين الكثير من الآيات وفكرة الناسخ والمنسوخ. فلا ينكر عالم من علماء الإسلام أن هناك آيات نسخت آيات أخرى سواء حكمها أو حتى نسختها كليا، أي حذفتها بالنص فأنواع النسخ في القرآن بحسب العلماء ثلاثة. نسخ التلاوة والحكم معا، ونسخ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم دون التلاوة! وهو أمر يدعو للتعجب، فلماذا ينزل الله آية أو حكما ثم يقرر التراجع عنه بعد فترة. ولمَ كل هذا التشويش؟ فكيف لكل مسلم يقرأ القرآن أن يعرف ما نُسِخَ من الآيات وما بقي حكمه أو ما حُذف حكمه وبقي نصّه أو العكس؟ ولماذا لا يكون القرآن أكثر وضوحا؟ فهل على كل مسلم أن يقرأ تفسير القرآن؟ وبأي تفسير فيهم يأخذ؟
فإذا بحثت عن تفسير أيّة آية في القرآن ستجد عشرات التفسيرات التي تعبر عن وجهة نظر كل مفسر. فلا توجد تفسيرات قطعية وإنما هناك مفسرين موثوق فيهم، أبرزهم “ابن كثير” الذي قضيت حوالي عاما كاملا وأنا أقرأ تفسيره للقرآن. لكنه يبقى “تفسير ابن كثير” وليس التفسير الحقيقي الذي يكشف نية قائل تلك الآيات. فموضوع رضاع الكبير أثار جدلا واسعا قبل سنوات لأن الكثير من المسلمين قد تفاجأوا حديثا بوجود مثل هذا التشريع. حيث ينقل صحيح مسلم عن عائشة “عن عائِشةَ أنَّها قالت: كان فيما أُنزِلَ مِنَ القُرآنِ: “عَشرُ رَضَعاتٍ مَعلوماتٍ يُحَرِّمْنَ”، ثمَّ نُسِخْنَ بخَمسٍ مَعلوماتٍ، فتوفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهنَّ مِمَّا نَقرَأُ مِنَ القُرآنِ (أي كانت هذه الآية سَابِقا في القرآن)! وقيل أن تلك الآية نُسِخَ لفظها وبقي حكمها أي أن الله قرر بعد فترة حذف النص مع الإبقاء على الحكم الذي ورد بها!!! وكذلك آية الرجم. حيث تنقل المصادر الإسلامية عن عمر ابن الخطاب قوله: “قَالَ عُمَرُ: لقَدْ خَشِيتُ أنْ يَطُولَ بالنَّاسِ زَمَانٌ، حتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ الرَّجْمَ في كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا اللَّهُ، ألَا وإنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ علَى مَن زَنَى وقدْ أحْصَنَ، إذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ، أوْ كانَ الحَبَلُ، أوْ الِاعْتِرَافُ -قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا حَفِظْتُ- ألَا وقدْ رَجَمَ رَسولُ اللَّهِ ورَجَمْنَا بَعْدَهُ.”
أيضًا، الشيخُ والشيخَةُ إذا زنَيَا فارْجُموهُمَا ألبتَةَ بمَا قَضَيَا من اللذَةِ. ويدلل العلماء على أن هذه الآية تلاوتها منسوخة أيضًا وحكمها ثابت وكانت تبدأ بها سورة الأحزاب التي قيل أيضًا أنها كانت توازي سورة البقرة لكن نسخت الكثير من آياتها ! فكيف يقوم الله بالحذف والتعديل والتبديل في كتاب يفترض أنه مقدس؟ وما الحكمة من ذلك؟ والمُلفت أن سورة التوبة يقال أنها آخر سورة كاملة نزلت من القرآن وهي السورة الوحيدة التي لا تبدأ بـ “بسم الله الرحمن الرحيم” وإنما تبدأ بـ “براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين” حيث ألغى بها القرآن آية عهود سابقة أقيمت مع المشركين وأمر المؤمنين بقتال المشركين كافة. ولذلك يرى أغلب الفقهاء أنها نسخت آيات السلام كلها وأقرت مبدأ الجهاد ليس فقط مع الكفار وإنما أيضًا مع أهل الكتاب فالآية التاسعة والعشرون تقول نصا: “قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَلَا یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا یَدِینُونَ دِینَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حَتَّىٰ یُعۡطُوا۟ ٱلۡجِزۡیَةَ عَن یَدࣲ وَهُمۡ صَـٰغِرُونَ (صاغرون)” [التوبة ٢٩]. وهو ما أسس لمبدأ التعامل مع اليهود والمسيحيين على أساس واضح وهو عرض الإسلام عليهم فإن أبوا فعليهم دفع جزية بهدف الإذلال وإن أصروا على رفض كلا الخيارين فليس أمام المسلمين سوى قتالهم! وهذا ما حدث حرفيا في كافة الغزوات التي شنها المسلمون بعد وفاة محمد، فمن استطاع البقاء على دينه ورفض الدخول في الإسلام كان عليه دفع جزية بهدف واضح من خلال الآية “وهم صاغرون” بمعنى الإذلال، وليس كما يدعي بعض الفقهاء أن الهدف من الجزية هو بمثابة ضريبة مساوية للزكاة التي يدفعها المسلمين، فالآية شديدة الوضوح ولا تحتاج إلى تأويل من يحاولون تجميل صورة الإسلام بأية طريقة. وهذا يفسر سبب دخول الكثيرين في الإسلام. فلا أنكر أن هناك من اقتنع بمبادئه وأسلم عن اقتناع كامل ولهم مطلق الحرية بالطبع في اعتناق ما يشاءون. وإنما المشكلة فيمن أُجبر على الدخول في هذا الدين إما بسبب عدم القدرة على دفع الجزية أو الخوف من القتل وهو ما حدث للكثيرين على مدار قرون وتشهد العديد من الكتب التاريخية بوقائع مؤسفة تنفي تماما كل الأكاذيب التي يتشدقون بها عن حرية العقيدة في ظل الحكم الإسلامي.
حتى قصة فتح مكة التي دائما ما يستشهدون بمقطع صغير منها لتأكيد تسامح محمد مع أعدائه ويخفون القصة كاملة رغم ورودها في كافة الكتب التي يشهدون بصحتها. ويكتفون فقط بما قاله محمد عند دخوله مكة عندما خاطب أهلها قائلا: “اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ”. مدللين على عفوه ورحمته وأن هذا ما جعل أهل مكة يدخلون في الإسلام أفواجا بعد أن رفضوه لسنوات طويلة ثم ارتد غالبيتهم وغالبية القبائل بعد وفاة محمد مباشرة. وهو ما يؤكد أنهم لم يعتنقوا الإسلام عن قناعة وإنما عن خوف بعد غلبة المسلمين وسيطرتهم على قلب الجزيرة العربية. كما يتغافلون عن قصد عن ذكر القصة الكاملة عندما طلب محمد من أتباعه قبل دخول مكة أن يبحثوا بمجرد دخولهم عن ستة أشخاص من بينهم جاريتان كانوا دائمي السخرية منه وإيذائه عندما كان بمكة قبل سنوات، ولم ينس ما فعلوه به فقرر الانتقام منهم بعد كل تلك السنوات وبمجرد عودته قويا بحماية جيشه طلب أن يأتوا بهؤلاء الأشخاص الذين حددهم بالاسم وطلب منهم قتلهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة! وهؤلاء هم عكرمة ابن أبي جهل وعبد الله ابن أخطل ومقيس ابن صبابة وعبد الله ابن سعد ابن أبي سرح. وتذكر المصادر الإسلامية أن عبد الله ابن أخطل وجدوه وهو معلق بأستار الكعبة فقتلوه، وأما مقيس ابن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأسلم عكرمة ابن أبي جهل، وأما عبد الله ابن أبي سرح الذي كان من أكثر المقربين من محمد وكان من كتبة الوحي في المدينة لسنوات ثم اكتشف أن محمدا لا ينتبه لما يكتبه فكان يضيف بعض الآيات من عنده ووجد أن محمدا لا يكتشف ذلك فأيقن كذب نبوته وهرب عائدا إلى مكة وبدأ يخبر الجميع بما حدث وهو ما جعل محمد ينقم عليه أشد النقمة لكشفه أمره فصمم على قتله عند فتح مكة. ولكونه ابن عم عثمان ابن عفان فقد لجأ للاختباء عنده وطلب منه أن يشفع له عند محمد ليعفو عنه، فجاء به إليه وقال له وهذا نص الحديث “عن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ قالَ لمَّا كانَ يومُ فتحِ مكَّةَ اختبأَ عبدُ اللَّهِ بنُ سعدٍ بنِ أبي سرحٍ عندَ عثمانَ بنِ عفَّانَ فجاءَ بهِ حتَّى أوقَفهُ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ بايِع عبدَ اللَّهِ فرفعَ رأسَهُ فنظرَ إليهِ ثلاثا كلُّ ذلكَ يأبَى فبايَعهُ بعدَ ثلاثٍ ثمَّ أقبلَ على أصحابِهِ فقالَ أما كانَ فيكم رجلٌ رشيدٌ يقومُ إلى هذا حيثُ رآني كففتُ يدِي عن بيعتِهِ فيقتُلَهُ فقالوا ما ندري يا رسولَ اللَّهِ ما في نفسِكَ ألا أومأتَ إلينا بعينِكَ قالَ إنَّهُ لا ينبغي لنبيٍّ أن تكونَ لهُ خائنةُ الأعيُنِ”!
حتى الكعبة التي كان يطلق عليها المسلمون بيت الله الحرام نزع عنها قدسيتها وأمر بأخذ ثأره مهما كلف الأمر. ثم يعتبر المسلمون بعد هذه الواقعة الشنيعة أن رحمة النبي تجلت يوم فتح مكة! ويبدو من الروايات أن جاريتا ابن الأخطل قد قتلتا أيضًا والتهمة أنهما كانتا تنشدان شعرا فيه هجاء لمحمد بسبب أمر سيدهما! وليست تلك الجاريتين هما فقط من أمر محمد بشكل مباشر بقتلهم بل هناك أيضًا القصة الشهيرة لأم قرفة وكانت شاعرة اعتادت هجاء محمد وتأليب الناس ضده وحث أبناءها على قتال المسلمين، فأمر محمد بإرسال سرية خاصة لقتلها في السنة السادسة للهجرة وكانت وقتها امرأة عجوز فربط زيد بن حارثة رجليها بحبل ثم ربطهما بين بعيرين حتى شقها شقا ثم حمل رأسها إلى المدينة لكي يعلم الناس أنها قتلت ولتكون عبرة لمن يعتبر! وإن كان ما حدث من البشاعة حتى لا أجد تعليقا كافيا لوصفه، فكيف بالقصة الأشهر للرجل الأعمى الذي طعن جاريته فقتلها وكانت حاملا بولده لأنها اعتادت سب محمدا أمامه وعندما ينهاها لا تنتهي، ثم سارع إلى محمد ليعرف رأيه فيما فعل فكان رده عليه أمام جمع كبير من الناس: “فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: ألا اشهَدوا: أنَّ دمَها هدرٌ! ” لم يبالي بالمرأة ولا حتى بطفلها الذي كان لا يزال جنينا داخل بطنها وأقر تلك الجريمة النكراء فقط لمجرد أنها سبته! فعن أي رحمة يتحدث المسلمون؟ فمن يقرأ كافة الكتب السماوية وغير السماوية يجد أن كل من جاء بالنبوة أو حتى ادعاها تعرض لاضطهادات أقلها السب والشتم والاستهزاء. ولم تذكر واقعة واحدة لنبي طلب من أتباعه قتل من يؤذوه أو يسبوه سوى محمد. حتى أن هناك قاعدة فقهية تؤكد أن حكم من يسب النبي هو القتل وإن استتاب فلا توبة له. أفإلى هذا الحد؟
فأين ذلك مما فعله السيد المسيح بعد أن جلدوه واستهزأوا به وتفلوا عليه ثم صلبوه لعدة ساعات معلقا على الصليب بواسطة مسامير ثم طعن بحربة في جنبه، لتكون ردة فعله على ما حدث أن نظر إلى السماء وقال: “يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ” (لو 23: 34). فقط قارنوا بين ردة الفعل لتعلموا من هو من الله ومن يمثل الشر والظلمة. وأتمنى على من يقرأ كل ما ذكرته أن يعود ويبحث بنفسه بشكل مفصل في المصادر الإسلامية ليتأكد وليحاول البحث عن أي تفسير منطقي أو مبرر يرتضيه عقله وفطرته السليمة لمثل هذا العنف الوحشي.
بالطبع هناك من يشكك في بعض هذه القصص لكن وإن صحت واقعة واحدة منها على الأقل أفلا ينسف ذلك ادعاء “نبي الرحمة” نسفا تاما! فلو أن شخصا عاديا أو حتى حاكما لأية دولة ارتكب مثل هذا القتل الوحشي لقيل عنه ما قيل ولتم اتهامه بالديكتاتورية والوحشية وإن كان في دولة متقدمة لتمت محاكمته.
ولنرَ أيضًا كيف عامل محمدا اليهود. فلا يخفى على أحد الكراهية العميقة التي يكنها المسلمون لليهود بشكل خاص، ليس فقط لما ارتكبته إسرائيل في حق الفلسطينيين وإنما منذ بدايات الإسلام. لكن من يتتبع علاقة محمد باليهود سيكتشف أمرا عجيبا. فبعد هجرة محمد من مكة إلى يثرب واختلاطه بالقبائل اليهودية التي كانت تعيش وتتركز فيها واطلاعه على التوراة والتلمود والتراث اليهودي والشريعة نجد تأثيرا كبيرا للتراث اليهودي على القرآن في تلك الفترة. حيث ظهرت العديد من الآيات التي تتحدث عن قصة موسى، وهو النبي الأكثر ذكرا في القرآن. وبعد انتقاله إلى هناك، بدأ فرض الصلاة التي كانت قبلتها باتجاه بيت المقدس، وهي نفس القبلة التي كان يتخذها اليهود في صلاتهم. كما بدأ في التشريع وتقنين الفرائض، وهنا نجد تشابها لا جدال فيه بين الشريعتين اليهودية والإسلامية، من ضرورة الوضوء قبل الصلاة وفكرة الطهارة والاغتسال ونجاسة الحائض وتغطية شعر المرأة وتحريم لحم الخنزير بل وحتى طريقة أداء الصلاة وصوم يومي الإثنين والخميس وغيرها. تشابه عجيب لا بد من التوقف عنده. فإذا علمنا أن محمدا حاول إقناع اليهود بكل الطرق أنه النبي المنتظر المذكور في التوراة إلا أنه فوجئ بإصرارهم على رفض الإيمان به ليس كبرا وحسدا من أنفسهم له ورفضا لاتباع الحق كما قال القرآن مهاجما إياهم بعد ذلك. وإنما لأنهم يعلمون جيدا أن المسيح المنتظر لابد وأن يكون من بني إسرائيل شأنه شأن كل الأنبياء السابقين، ويؤمنون بأن المسيح هو آخر من سيأتي. وكما قال الرب لموسى: “أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ” (تث 18: 18). فالمقصود بـ “من وسطكم” واضح كل الوضوح وهو أنه سيكون من بني إسرائيل. ورغم ذلك يصر المسلمون على اعتبار هذه الآية نبوة عن محمد رغم أنه لم يخرج نبي واحد من نسل إسماعيل، والقرآن نفسه رغم اعتباره أن إسماعيل نبي لم يذكر موقفا واحدا يدلل على نبوته. وعندما واجه محمد رفضا قاطعا من جانب اليهود للإيمان به واعتباره النبي المنتظر انقلب موقفه منهم محأولًا كسب ودهم باعتباره يستكمل نبوة موسى، فبعد أن كان يخاطبهم في بداية قدومه إلى المدينة بآيات مثل: “وَكَیۡفَ یُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوۡرَىٰةُ فِیهَا حُكۡمُ ٱللَّهِ ثُمَّ یَتَوَلَّوۡنَ مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَۚ وَمَاۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ” [المائدة ٤٣] و”إِنَّاۤ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِیهَا هُدࣰى وَنُورࣱۚ یَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِیُّونَ ٱلَّذِینَ أَسۡلَمُوا۟ لِلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّـٰنِیُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُوا۟ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَیۡهِ شُهَدَاۤءَۚ فَلَا تَخۡشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِی ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ” [المائدة ٤٤] و”فَإِن كُنتَ فِی شَكࣲّ مِّمَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِینَ یَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَاۤءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِینَ” [يونس ٩٤] وكأنه يثبت يقين اليهود والمسيحيين من نبوة محمد ويعتبرهم مصدر ثقة ليتأكد هو نفسه من نبوته عندما تأتيه الشكوك! وأيضًا، “یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتِیَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ وَأَنِّی فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ” [البقرة ٤٧]. لم يقل الموجودين في ذلك الوقت فقط وإنما من الواضح التعميم على “العالمين” أي جميع البشر. وفي آية أخرى: “نَزَّلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِیلَ” [آل عمران ٣]. وهنا أريد أن أتساءل هل يُفهم من هذه الآيات أن التوراة والإنجيل محرفان أم العكس؟ وسأترك إجابة هذا السؤال لكل شخص حسب إدراكه. لكن النقطة الأخرى التي أردت التأكيد عليها أن بداية الآيات المدنية تحفل بمدح أهل الكتاب والتودد إليهم، لكن انقلب الحال بعد أن أدرك محمد استحالة إيمان اليهود به وبأنه المسيح المنتظر. فلا تذكر المصادر الإسلامية سوى شخصين فقط هما من آمن بمحمد من اليهود بالمدينة وهما عبد الله بن سالم ومخيريق. وكان محمد يقول: “لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود” ولكن خاب ظنه رغم كثرة محاولاته إقناعهم بنبوته وهو ما جعله يتخذ بعد فترة موقفا مضادا شديد العدائية تجاههم على وجه الخصوص. فبدأ التغير الكلي في خطاب القرآن عن اليهود فظهرت آيات مثل “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۖ” [المائدة ٨٢] والآية التي تقول: “وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِینَ ٱعۡتَدَوۡا۟ مِنكُمۡ فِی ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُوا۟ قِرَدَة خَـٰسِـِٔینَ” [البقرة ٦٥] وفي آية أخرى يصف القرآن اليهود قائلا: “وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِیرَ” [المائدة ٦٠]. ولا أدري متى قام الله بمسخ اليهود قردة من قبل؟ فلم تذكر هذه الحادثة في أية كتب مقدسة أو مصادر تاريخية. لكن لا يزال الكثير من المسلمين يحبون أن يلقبوا اليهود بأحفاد القردة والخنازير! ونجد التحول القرآني من آية مثل: “إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلصَّـٰبِـِٔینَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلۡمَجُوسَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ یَفۡصِلُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ” [الحج ١٧] إلى “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَ ٰوَةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ” [المائدة ٨٢] وأيضًا “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ” [المائدة ٥١] و”قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَلَا یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا یَدِینُونَ دِینَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حَتَّىٰ یُعۡطُوا۟ ٱلۡجِزۡیَةَ عَن یَدࣲ وَهُمۡ صَـٰغِرُونَ” [التوبة ٢٩]
ولا أدري لماذا وصف أهل الكتاب بأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يُحرمون ما حرّم الله؟! حتى نصل إلى الوصية الأخيرة لمحمد لأتباعه وهو على فراش الموت: “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و”لا يجتمع في جزيرة العرب دينان”. وهناك حديث آخر يرويه عمر بن الخطاب عن محمد: “لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما!” وقبل ذلك يحدد محمد في حديث له كيفية التعامل مع اليهود والنصارى -طبعا قبل طردهم بشكل كامل من الجزيرة العربية- فيقول: “لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام. وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه”. فهل بهذا يظهر المسلمون تسامح دينهم وكمال فضائله؟ وبعد كل ذلك يتحدثون عن أن الإسلام كفل حرية العقيدة! فحتى قريش التي يتهمونها بالكفر والشرك ومعاداة الإيمان عندما كانت مكة تحت سيطرتها جعلت الكعبة مقرا لأصحاب الأديان المختلفة. ليس فقط المشركين الذين ملأوا الكعبة بالأصنام بل وحتى الأحناف الذين كانوا يحجون إليها وأيضًا الصابئة. ويقال أن نصارى الجزيرة كانوا يضعون أيقونة للسيد المسيح والسيدة العذراء بالكعبة. وكان ورقة بن نوفل هو أسقف النصارى بمكة حيث عاشت كل الطوائف جنبا إلى جنب في عهد قريش في سلام وتآلف وتسامح حقيقي وليس كما فعل الإسلام الذي قضى على كل الطوائف والأديان الآخرى بالسيف وطرد قبائل النصارى واليهود إلى الشام.
ولابد وأن أتوقف عند المذبحة الرهيبة التي حدثت لقبيلة بني قريظة اليهودية. وهي من القصص التي جعلتني أشعر باشمئزاز ونفور حقيقي مما فعله المسلمون، ولم أستطع إيجاد تبرير لكل هذا العنف والوحشية. ويدعي المسلمون أن سبب القيام بهذه المذبحة أو كما يطلقون عليها “الغزوة” هو نقض بعض اليهود من هذه القبيلة لعهدهم مع المسلمين فحفر المسلمون خندقا حول القبيلة وأصيب سعد ابن معاذ. وبحسب الرواية الإسلامية فإن محمدا عندما عاد من الخندق وضع السلاح فأتاه جبريل قائلا: “أخرج إليهم”. فأتاهم محمدا فرد الحكم عليهم إلى سعد بن معاذ فقال: إني أحكم فيهم أن يقتل الرجال وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم. فكان الرد الشهير لمحمد: “لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات”. وماحدث أن المسلمون قتلوا جميع رجال القبيلة، حتى أنهم كانوا يقتلون كل من نبت له شعر. أي الصبي المراهق الذي بلغ حديثا! وقاموا بأخذ النساء والأطفال سبايا ثم استولوا على أموالهم وممتلكاتهم كغنيمة لهم.
والسؤال هنا. هل إذا قام مجموعة من الأفراد بنقض العهد أو الاعتداء على المسلمين فهل يبرر ذلك ما حدث من مجزرة شنيعة طالت حتى الصبية المراهقين؟! هل هكذا يحكم الله من فوق سبع سماوات؟! فأين الحكم القرآني: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”؟ وأين أبسط قواعد الرحمة الإلهية أو الإنسانية؟ لم أجد مبررا واحدا يبيح القيام بمثل تلك الجريمة سوى التطهير العرقي والتلذذ باستباحة دماء وأموال الغير تحت دعوى الإنتقام الإلهي. وبعد القضاء على بني قريظة جاء دور قبيلة “بني النضير” الذين كان حظهم أفضل بكثير من بنو قريظة. فبعد احتلال المسلمين ليثرب أو المدينة قاموا بطردهم فأخذوا كل ما استطاعوا أخذه من ممتلكات وهدموا بيوتهم، وهاجر غالبيتهم إلى الشام. وهو نفس ما حدث مع القبيلة اليهودية الثالثة “بنو قينقاع”. وهكذا تم إخلاء الجزيرة العربية من أتباع كافة الأديان لتبقى للمسلمين وحدهم. ومن المعروف أنه حتى الآن يُمنع غير المسلمين من دخول مكة باعتبارهم أنجاس بحسب الآية التي تقول: “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسࣱ فَلَا یَقۡرَبُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَـٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَیۡلَةࣰ فَسَوۡفَ یُغۡنِیكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۤ إِن شَاۤءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ” [التوبة ٢٨] فهل يمنع المسلمون من دخول أي مكان مقدس في العالم؟ وماذا لو حدث ذلك؟ ستقوم قائمة المسلمين بالطبع وتبدأ إدعاءات العنصرية والإسلاموفوبيا والمؤامرة الكونية ضد المسلمين حقدا عليهم وغيرة منهم كونهم خير أمة أخرجت للناس!
ما لاحظته خلال سنوات عمري أن المسلمين وقد كنت واحدة منهم وأفكر بنفس طريقة تفكيرهم. لا يضعون أنفسهم مطلقا في موضع الآخرين بل يتلذذون بإطلاق الأحكام والإدانة وتكفير الغير في الوقت الذي يطالبون فيه بالحرية المطلقة في البلاد الغير إسلامية ويرغبون في أن ينالوا الحق في الدعوة لدينهم هناك كما يشاءون وأن يقوموا ببناء المساجد وأن ترتدي نساءهم الحجاب والنقاب بحرية مطلقة وأن يسمح لهم بإقامة شعائرهم بمنتهى الحرية، لكنهم في نفس الوقت ينكرون حقوق كافة الأقليات الدينية الموجودة في الدول ذات الغالبية الإسلامية. فلا يحق لهم بناء دور عبادة إلا بعد الكثير من التعقيدات، ولا يتم السماح لهم بتولي المناصب الهامة في الدولة، وبالتأكيد لا يمكن السماح لهم بالتبشير أو الدعوة لأديانهم. فمن يجرؤ فقط على توزيع نسخ من كتب دينية غير إسلامية أو يثبت قيامه بالحديث مع شخص لعرض دين غير الإسلام عليه فسيكون مصيره في أفضل الأحوال هو السجن لسنوات بتهمة ازدراء الأديان! ففي الوقت الذي يتمتع فيه المسلمون في الغرب بالكثير من الحرية ويتحول من يشاء إلى الإسلام، يمنع تماما أي مسلم من الارتداد عنه أو اعتناق أي دين آخر. فعلى كل شخص أن “يرث” ديانة أبويه وأن يبقى عليها طوال حياته دون مناقشة أو حتى إبداء الرغبة في البحث في الديانات الأخرى، فهو أمر محرم تماما على أي مسلم. لكن في المقابل إن أراد أي شخص غير مسلم تغيير دينه إلى الإسلام فسيكون مرحبا به في أي وقت وسيتم تغيير أوراقه الرسمية فورا لتثبت انضمامه للإسلام. وكثيرا ما تساءلت لماذا لا يكون لكل شخص عندما يبدأ في النضوج حرية البحث والتفكير واختيار المعتقد المناسب والمقنع له، حتى وإن قرر الإلحاد وعدم اعتناق أي دين فلم لا تكون له هذه الحرية؟ هل على المرء أن يكون منافقا وأن يخفي حقيقة إيمانه ومعتقده خوفا وإرضاء للمجتمع؟ وهل سيكون من الأفضل العيش بازدواجية أم التعامل بصراحة وانفتاح؟
يُفترض أن تكون حرية المعتقد هي حق أصيل من حقوق أي إنسان يحيا في مجتمع مدني معاصر، وهو الحق الموجود في كل دول العالم بخلاف الدول الإسلامية ويرجع ذلك إلى أن الإسلام نفسه ينكر ذلك الحق بل ويمنع تماما أي شخص دخل في الإسلام سواء بإرادته أو بغير إرادته أن يقرر في أية لحظة ترك هذا الدين. فرغم أنه لا يوجد نص صريح في القرآن يشرع عقوبة محددة لمن يترك الإسلام، لكن هناك أحاديث نبوية موثوقة وآراء فقهية واضحة توضح الحكم الشرعي لتارك الدين. فالحديث المنسوب لمحمد ينص صراحة على أن: “من بدل دينه فاقتلوه” ويؤكد الفقهاء أنه قبل قتله تتم دعوة هذا الشخص لأن يتوب فإن لم يستتب يتم قتله! ألا يتعارض ذلك مع حرية الاختيار التي سيحاسبنا عنها الله يوم القيامة؟ فإن أجبر كل البشر على الدخول في الإسلام والبقاء فيه حتى وإن كان هذا هو الدين الحق فعلامَ سوف يحاسب الناس يوم القيامة؟ وألا يتعارض ذلك مع العديد من الآيات في القرآن نفسه مثل: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” و”فلا إكراه في الدين” و”لكم دينكم ولي دين” و”لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟” ألا يلاحظ أحد من المسلمين كم التناقض الموجود في هذا الدين والذي يُرجعه بعض الفقهاء للناسخ والمنسوخ؟ أتمنى من الجميع البحث في حقيقة السور المدنية والسور المكية. جرب أن تقرأ القرآن ولتبدأ بقراءة جميع السور المكية أولًا وستلاحظ أن غالبيتها تتحدث عن قصص الأنبياء وعن آيات الله في الكون وعن التسامح مع غير المسلمين. ثم اقرأ بعد ذلك كل السور المدنية وستلاحظ الفرق الواضح تماما حيث تتغير بشكل كامل لغة مخاطبة أهل الكفر أو المشركين وستظهر آيات القتال والجهاد والسبي، وسيكثر ذكر الرسول وإطاعته جنبا إلى جنب مع الله. لماذا؟ لأن السور التي نزلت في مكة كان المسلمون وقتها في حالة ضعف وكان عدد المسلمين قليل لسنوات طويلة حتى هجرة محمد إلى المدينة واعتناق الأوس والخزرج الإسلام ودعمه ماديا وعسكريا وشن الغزوات والاستيلاء على الكثير من الممتلكات. فقويت شوكة المسلمين وتغيرت اللهجة تماما وكأننا أمام قرآنان مختلفان. وهذا بشهادة بعض المفكرين والباحثين الذين يبحثون جيدا في تسلسل الآيات والخلفية التاريخية لها على عكس عامة المسلمين الذين يقرأون القرآن بشكل سطحي ويحرصون على ختمه باستمرار أملا وطمعا في الحصول على الكثير من الحسنات ولا يهتمون بقراءة التفاسير أو إعمال العقل فيما يقرأونه فلا ينتبهون للكثير من المتناقضات بل والأخطاء التي تستحق وتوجب التوقف عندها.
أتمنى من كل مسلم يقرأ ما أكتبه أن يبحث جيدا في داخل الإسلام ولا أقول أن يقرأ ما يكتبه “أعداء الإسلام” أو المستشرقين الذين قد يتصيدون الأخطاء ويسيئون التفاسير ويتعمدون ليّ الحقائق بحسب اعتقاد البعض ممن يسارعون بالهجوم على كل من يطرح تساؤلات أو يستنكر أمرا ويكيلون الاتهامات الجاهزة له بالعداء للإسلام والرغبة في إطفاء نور الله بأفواههم، وإخفاء حقيقة الإسلام الجميل المعتدل المتسامح. في حين أن كل كتب التراث والفقه والتاريخ الإسلامي تؤكد عكس ذلك تماما. أؤكد والله شاهد على ما أقول أنني لم أنقل ما أكتبه من كتابات المستشرقين التي لا أنكر أنني اطلعت على بعضها وعلى الكثير مما أثاره المتنصرين وحتى الملحدين.
لكنني في الوقت نفسه وكلما ازددت توسعا في القراءة في الإسلام كنت أواجه الكثير من التساؤلات وعلامات الإستفهام التي حاولت البحث عن إجابات لها وكلي أمل في إيجاد ما يثلج صدري ويزيل شكوكي ويملأني باليقين كي أعود مجددا تلك المسلمة الملتزمة الممتلئة حبا للإسلام ورغبة في خدمته وإعلاء لشأنه. لكنني كنت اصطدم بإجابات غير مقنعة إطلاقا، بل كانت تثير بداخلي استنكارا أكبر. حتى أنني تحاورت يوما مع أحد علماء الإسلام بشكل عرضي وطرحت عليه بعض التساؤلات التي لم أستطع استيعابها، ففوجئ ولم يستطع أن يعطيني إجابات شافية إطلاقا، وطلب أن نحدد لقاءات متكررة وأن أرسل له قبلها كل موضوع على حدة ليبحث فيه ويحاول أن يقدم لي إجابات. لكنني لم أعاود الاتصال به وفضلت البحث عبر الإنترنت لأن هناك العديد من المواقع الإسلامية التي ظننت أن أحدها سيتمكن من أن يعطيني إجابات منطقية لكن وبكل أسف لم أجد. واستمرت التساؤلات في تزايد يوما تلو الآخر.
فقضية قتل من يخرج عن الإسلام هذه تثبت وتؤكد ضعف هذا الدين الهش الذي لا يحتمل أن يقرر أحد تركه أو التشكيك به أو حتى إثارة التساؤلات المشروعة لكل إنسان له عقل يحق له استخدامه حتى يصل إلى اليقين عن قناعة ويقدم حسابا لله عن إيمانه. فهل يعقل أن نقف أمام الله وعندما يسألنا عن سبب اختيارنا للدين الذي متنا عليه أن نقول له بأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا؟! ألا ينتقد المسلمون غيرهم لأنهم يتبعون دين آباءهم دون تفكير وهم يفعلون مثلهم بل وأسوأ؟! فلم أسمع يوما عن شخص قتل لمجرد اعتناقه دين الإسلام أو غيره أو حتى أعلن إلحاده رغم أنني أعلم أن هناك الكثير من الأسر قد يقطعون الصلة مع أبناءهم إذا قرروا اعتناق الإسلام أو غيره. وقد تحدث مشكلات لكنها تبقى في نطاق المقاطعة، ولا يوجد دين واحد يدعو صراحة لقتل كل من يتركه بهذا الشكل، بل ويقرر عنوة فرض دينه على البشرية جمعاء وعلى من يرفض ذلك أن يواجه السيف. وسيأتي بالطبع من ينفي أن الإسلام انتشر بحد السيف وأن هذه أكاذيب المستشرقين وأن من دخلوا في الإسلام كانوا بكامل قناعتهم واختيارهم الحر. ولهؤلاء أقول. اقرأوا تاريخكم جيدا. اقرأوا قرآنكم وتفسيراته المختلفة وسيرة نبيكم “الكريم” وأصحابه المبشرين بالجنة، واقرأوا ما حدث في زمن الخلفاء ومن بعدهم. دعكم من “أكاذيب” هؤلاء المستشرقين الحاقدين على الإسلام واكتفوا بما عندكم ثم حكموا عقولكم وضمائركم واستفتوا قلوبكم واسألوا الله أن يرشدكم لكل الحق وينير بصائركم ويقود أذهانكم لمعرفة الحقيقة الواضحة وضوح الشمس. فكيف تفسر مثلا الحديث الصحيح: “أُمِرتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يَقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فإذا قالوها؛ عصَموا مِنِّي دِماءَهم وأموالَهم، إلَّا بِحَقِّها، وحِسابُهم على اللهِ” والحديث الآخر: “بُعِثتُ بالسيفِ بينَ يدَي الساعةِ حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريكَ له وجُعِلَ رزقِي تحتَ ظلِّ رمحِي وجُعِلَ الذلُّ والصغارُ على مَن خالف أمرِي ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم” “والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح”! فعلى من ينكر ما تفعله داعش وغيرها من قتل ونهب وسبي أن يعود أولًا لمثل تلك الأحاديث التي يؤكد عامة الفقهاء صحتها لكي يقتنعوا أن ما تفعله داعش هو صحيح الدين واتباعا لسنة محمد وأصحابه وليس العكس، ثم يعيد إعمال عقله متجردا من أي تحيز.
والغريب أنه رغم تهديد كل من يرغب في ترك الدين بالقتل فإن الإسلام حاول استمالة غير المسلمين للدخول في الإسلام حتى وإن كانوا غير مقتنعين تماما من خلال الرشوة والإغراء المادي. وأنا هنا لا أفتري على الإسلام في الآية الستين التي تتحدث عن مصارف الزكاة في سورة التوبة واضحة تماما: “إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَاۤءِ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِینَ وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۖ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ” [التوبة ٦٠] فمن هم المؤلفة قلوبهم بحسب التفاسير؟ هم الرجال الذين دخلوا في الإسلام دون أن يثبت الإيمان في قلوبهم ونفوسهم. أي أسلموا ولكن إسلامهم لا يزال هشا ضعيفا وهم أصحاب تأثير ونفوذ في أقوامهم فيعطيهم المسلمون من مال الزكاة حتى تتم استمالتهم وتثبيتهم على الإسلام. وأريد أن أسألك. هل تجد وصفا لذلك سوى الرشوة؟ وهل تعتبر أن هذا أمر أخلاقي يجوز اللجوء له؟ وماذا لو لجأ شخص أو جهة غير مسلمة لفعل نفس الشيء مع المسلمين ليبعدوهم عن دينهم ويقنعوهم باعتناق دين آخر؟ كما يردد المسلمين أن هناك جهات تبشيرية تعمل في إفريقيا على وجه الخصوص وفي بعض المناطق الفقيرة من العالم على تقديم المساعدات لهم بهدف تنصيرهم. فإن كان هذا الأمر غير مقبول بالنسبة لك فكيف تبرر موافقة الإسلام عليه بل وتشريعه وجعله أحد مصارف الزكاة بشكل علني وواضح ودون أدنى خجل؟ في حين أنه لو جاء مثل هؤلاء الذين حصلوا على أموال للدخول في الإسلام بغير اقتناع وقرروا أنهم لا يريدون الإستمرار في هذا الدين وأنهم لم ولن يصلوا لقناعة تامة بالإسلام وأعلنوا رغبتهم في ترك هذا الدين. فكيف سيكون مصيرهم برأيك؟ فهناك مثل شهير يقول “دخول الحمام ليس كالخروج منه” وهذا ما ينطبق تماما على الإسلام. فكل المزايا والإغراءات متاحة لمن يفكر باعتناقه ولو عن غير اقتناع كامل أما لو قرر يوما الخروج منه فسيكون القتل مصيره الحتمي.
وهناك نقطة هامة أيضًا تخص أموال الغنائم. تخيل معي أنك تعيش مع أسرتك في مجتمع يعتنق دينا ما ثم تفاجأ بغزو وهجوم خارجي ويطلب منك هؤلاء الغزاة أن تدخل في دينهم الذي لا تعرفه ولا ترغب به وعندما ترفض ذلك يقتلونك ويأخذون زوجتك كجارية يحل اغتصابها وقتما يرغب سيدها ويصبح أطفالك عبيد وتؤخذ كل ممتلكاتك التي سيذهب جزء منها بشكل مباشر لرسول هذا الدين الذي شرع له إلهه أن يعيش على الأموال المسروقة والذي اعترف هو شخصيا في الحديث “إنَّ اللهَ لم يجعلْني زرَّاعا ولا تاجرا ولا صَخَّابا في الأسواقِ وجُعِلَ رِزقي تحتَ ظِلِّ رُمْحِي” ، فلم ينكر إطلاقا أنه يعيش من أموال الغنائم وهي أموال كانت ملكا لأصحابها فهل يمكن أن يشرع الله مثل هذا الظلم والاعتداء حتى على غير المؤمنين؟
أتذكر يوما كنت أذاكر فيه مادة التربية الإسلامية مع إبني وكان لايزال صغيرا، وكان الدرس عن غزوة بدر وهي أول معركة بين المسلمين وقريش بعد أن هاجروا للمدينة، حيث كان عدد المسلمين قد كثر واستعانوا بالأوس والخزرج الذين كانوا في الأساس من قطاع الطرق وقاموا بقطع الطريق على قافلة لقريش بقيادة أبي سفيان بهدف الإستيلاء عليها انتقاما من استيلاء قريش على ممتلكات المسلمين التي تركوها في مكة عند هجرتهم. وعندما كنت أشرح لإبني ذلك قال لي: “وهل النبي ومن معه كانوا عصابة من المجرمين لكي يفعلوا مثل ذلك؟” وقتها ورغم أنني كنت لا أزال مسلمة لكنني لم أكن مقتنعة بما فعلوه ووجدتني سعيدة ببراءة ابني وبفطرته السليمة التي ترفض مثل هذا الفعل حتى ولو كان ردا على اعتداءات سابقة من قبل المشركين. لكنني حاولت أن أقنعه بمبررات المسلمين وبأنهم تعرضوا للاضطهاد والتعذيب والنهب من قبل قريش عندما كانوا في مكة وبأنه كان عليهم الأخذ بالثأر. ففوجئت به يقول لي وكان عمره وقتها حوالي الثمان سنوات: “إذا فعلوا مثلهم فسيكونون مجرمين وسارقين مثلهم” فسكت لأنني كنت أعلم جيدا أن كلامه منطقيا. فإذا كان الله قد نجاهم من ظلم وبطش قريش وأبدلهم بمكان آخر وبعدد كبير من المؤمنين وبقوة بعد الذل، أفلم يكن من باب أولى أن يركزوا على حياتهم الجديدة وعلى الدعوة لدينهم والعمل لكسب الرزق بدلا من الاحتكام للقوة والتصميم على الأخذ بالثأر؟
ومن أكثر الأمور التي آذتني نفسيا كامرأة عندما كنت أتخيل ما حدث لملايين النساء على مدار قرون من إيذاء جسدي ونفسي نتيجة أحكام الإسلام التي عرضتهن للكثير من الظلم والإذلال والإيذاء. فقضية السبايا والجواري وما فعل بهن هي من أخطر القضايا التي لا أدري كيف يتقبلها المسلمون دون مناقشة أو تفكير في مدى بشاعتها. فعندما أتخيل امرأة مثل صفية بنت حيي اليهودية التي كانت تعيش مع زوجها في قبيلة قريظة لتستيقظ ذات يوم وتفاجأ بهجوم المسلمين عليهم وقتلهم لكل رجال قبيلتها ومن بينهم أبوها وزوجها ثم يتم أخذها سبية وعندما تقع في التقسيم ضمن غنيمة أحد المسلمين يراها محمد فيعجب بها ويطلب منه أن يتركها له ويقرر أن يتزوجها. وتقول المصادر الإسلامية أنها قررت اعتناق الإسلام. فهل يُعقل أن امرأة حرة ذات فطرة سليمة ومشاعر إنسانية ستقبل أن تعتنق دين قاتل والدها وزوجها وتكون زوجة له بكامل رضاها! قد أتفهم خوفها واضطرارها للرضوخ لهذا الوضع المهين لكنني متأكدة أنه من المستحيل أن تكون قد فعلت ذلك عن قناعة ورضى. وما يؤكد ذلك بحسب ما جاء في كتب السيرة أن جاريتها بعد وفاة محمد كانت تتهمها بأنها لا تزال تحفظ السبت وتصل اليهود!
وفكرة أن تؤخذ امرأة متزوجة كسبية ويدخل بها شخص آخر استنكرها حتى المسلمون أنفسهم. فتذكر المصادر الإسلامية أن بعض الصحابة تحرجوا من وطء المتزوجة فقد كانوا يؤمنون بأن المرأة المتزوجة لا تحل إلا لزوجها، وعندما ذهبوا ليستفتوا نبيهم في ذلك نزلت الآية: “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ” وتصبح ملك يمين أو جارية بالسبي فتصبح حلالا للمسلمين. وهكذا أزال القرآن الحرج عنهم ليستبيحوا لأنفسهم اغتصاب زوجات رجال آخرين. حاشا لله بالطبع أن يُشرّع مثل ذلك أو يبيح ما يعف أي شخص فاضل أن يقوم به وليس بأن يحكم الله به ويُشرّعه في كتاب يُفترض أنه مقدس. وفكرة الإماء نفسها أو الجواري حتى ولو كنّ غير متزوجات رغم أنها كانت سائدة في القدم في كل المجتمعات والأزمنة القديمة حيث كان المجتمع ينقسم عادة إلى سادة وعبيد، وكان من الطبيعي وجود سوق للرقيق فكان أغلب العوام وليس فقط أصحاب الثروة أو السلطة يشترون العبيد والجواري لمساعدتهم في الشؤون المنزلية وربما كان بعض السادة يستبيحون معاشرة جواريهم لكن لم يسبق لأي دين أن قنن وشرّع معاشرة الجارية كالزوجة. فلم يكتف بأن يكون لكل رجل أربع زوجات بل أباح له ما شاء من إماء كملك يمين، فكل حسب استطاعته المادية. فما الفارق إذن بين هذا وبين الزنا؟ وهل من المفترض أنه بعد كل هذا التيسير قد يلجأ أحد للزنا؟
وإذا تطرقنا أيضًا لزواج المتعة. فأتذكر رغم قراءتي المستمرة للقرآن أن توقفت يوما عند الآية التي تقول: “فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِیضَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا تَرَ ٰضَیۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِیضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیما حَكِیمࣰا” [النساء ٢٤] وأتاني شعور بالاشمئزاز الشديد، ورغم عدم بحثي وقتها عن تفسير فقهي لها لكنني شعرت بأن المعنى الواضح يُشبه الزواج حرفيا بالدعارة. فهل هناك وصف آخر للمتعة مقابل المال سوى هذا؟ وهذه الآية هي التي شرعت نكاح المتعة وهو على حد قول الفقهاء أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها. ويقول ابن كثير في تفسيره ما يلي: “وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، والشك أنه كان مشروعا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك. وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ مرتين وقد ورد عن علي بن أبي طالب قوله: “نهى النبي عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ” لكن الشيعة لا يعترفون بأن محمدا ألغى هذا الزواج ويعتبرون أن الآية واضحة ولا يوجد ما يؤكد نسخها؟! فكيف سيعرف المسلم الحقيقة وسط تلك المتاهات؟ والثابت أن نكاح المتعة كان موجودا في زمن محمد وحتى الآن يعترف به الشيعة ويقرونه ويمارسونه ولا يعترفون بأنه تم نسخه. وورد بشكل واضح لا يحتاج لتأويل في القرآن. فهل يمكن لأحد ذو فطرة سليمة أن يتخيل أن يُشرّع الله مثل هذا التشريع حتى وإن كان لوقت معين أو لظروف معينة؟ فأين قدسية الزواج وهذا الرباط الأبدي المقدس؟.
أما موضوع الزواج في الإسلام فهو من الموضوعات التي تحتاج للاستفاضة في شرحها والتوقف عند الكثير من أحكامها. فمن تعدد الزوجات وأمر بإطاعة المرأة لزوجها مهما كان ما يطلبه، فإن لم تفعل ذلك باتت تلعنها الملائكة ؟! ومن ترفض إطاعة زوجها فلها ثلاث خيارات بحسب الآية: “وَٱلَّـٰتِی تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِی ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُوا۟ عَلَیۡهِنَّ سَبِیلاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیࣰّا كَبِیرࣰا” [النساء ٣٤]. فماذا لو كانت المرأة محقة في عدم إطاعته؟ ولماذا يعطي القرآن الحق المطلق لعقاب الزوجة؟ أين الشراكة الزوجية والإحترام المتبادل؟ وحتى لو كانت القوامة للرجل وأن على المرأة احترامه وأنه رأس المرأة كما يقول الإنجيل نفسه لكن ذلك لا يعطيه الحق لفرض عقوبات عليها تصل لضربها!
بالطبع سيسارع البعض للقول بأن هذه شبهات يتعمد النصارى وأعداء الإسلام إثارتها. ولا أدري لماذا يصرون على مصطلح “شبهات” أليس كل ما يثار من تساؤلات واستنكارات يأتي من صميم الدين؟ هل قام أحد بالتحريف أو باختلاق ما ليس موجودا؟ حتى في النقد يتم الاستشهاد بالوارد بأمهات الكتب الإسلامية. ولكن لأنهم لا يجدون ردا على كل ما يثار فيستخدمون نظرية “خير وسيلة للدفاع هي الهجوم” فلماذا لا يسألون أنفسهم عن السبب في كون الإسلام أكثر الأديان تعرضا للنقد ويتركون تلك الحجة الواهية من أن السبب هو “حقد” أعداء الإسلام عليه استكبارا وحسدا منهم لأصحاب الدين الحق! فهل إذا وجد الشخص نفسه موضع اتهام من جانب العديد من الأشخاص، فالأفضل له أن يعتبر هذه الاتهامات حسدا له وغيرة منه كونه أفضل شخص في الوجود أم يحاول النظر بموضوعية لتلك الاتهامات ويراجع نفسه عله يكون مخطئا بالفعل؟ أتمنى أن يكف المسلمون عن هذه الاتهامات الواهية ويتقبلوا النقاش المنطقي كما يعطون لأنفسهم الحق بالهجوم على أصحاب الديانات الأخرى وخاصة المسيحيون واليهود. فلماذا لا يقبلون التعامل بالمثل وأن يقابلوا الحجة بالحجة؟
أعود لتشريع ضرب المرأة الذي يحاول أغلب الفقهاء التقليل من وقعه السيء. فيفسرون الآية على أن المقصود بالضرب هو الضرب غير المبرح. وضربوا مثالا أن يكون الضرب بالسواك وماشابه. ولكن هل وضعت الآية حدا أو توصيفا لهذا الضرب؟ بكل وضوح لم تضع والدليل أن هناك من الأزواج من يبرحون زوجاتهم ضربا استدلالا بتلك الآية. فمن غير المنطقي أن يقوم كل مسلم بالبحث في التفاسير المختلفة ليفهم المقصود بكل آية. وإن فعل فسوف يفاجأ بالعديد من التفسيرات التي قد يناقض بعضها بعضا. فماذا يفعل وقتها؟ لذلك يأخذ الكثير من المسلمين بالمعنى الواضح والظاهر من الآيات ولا يلجأون لمتاهة التفسيرات. وهل المشكلة في أن يكون الضرب مبرحا أو غير مبرح؟ فالهدف من تشريع الضرب نفسه هو إهانة المرأة وعقابها وكسرها. فإذا كانت الدراسات النفسية تؤكد عدم جواز ضرب الأبناء لما له من تأثيرات نفسية سلبية ستنعكس عليهم، فكيف بضرب الزوج لزوجته التي يفترض أنها شريكة حياته؟! وماذا يحدث للأبناء الذين يشهدون مثل هذه الإهانة لوالدتهم؟! فهناك إشكالية حقيقية في نظرة الإسلام للمرأة كمتاع و”كحرمة” يجب تغطيتها والاستمتاع بها قدر الإمكان والسيطرة عليها بكل الطرق.
ولابد هنا من التطرق لموضوع الحجاب الذي أؤكد تماما احترامي له وأؤيد كثيرا احتشام المرأة لأن قدوتي هي السيدة مريم العذراء أطهر وأنقى نساء الأرض. ومنذ صغري كنت أحب كثيرا ملابس الراهبات وسمتهن. وأعلم أن هناك من يقرأ ذلك ويتساءل: فلماذا إذا تلومون الإسلام على فرض الحجاب على النساء؟ لأن المشكلة هي في فكرة الفرض هذه؟ ولأن الكثير من المسلمين والمسلمات لا يعلمون بكل أسف خلفيات الآيات التي ظهرت لتفرضه. وأنا هنا سأنقل كما فعلت سابقا من المصادر الإسلامية. فقد شكلت هذه المعلومات التي اكتشفتها قبل سنوات صدمة جديدة تضاف للصدمات التي تعرضت لها عندما اكتشفت أنني لم أكن أعلم عن الإسلام سوى القشور ولهذا كنت أظنه الدين القويم المثالي الذي يمثل الحق. بكل أسف لا يعلم الكثير من المسلمين الخلفيات التاريخية وراء بعض التشريعات ومن بينها الحجاب. فالآية التي يستدل بها المسلمون عادة على فرض الحجاب على المرأة هي: “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاۤءِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ یُدۡنِینَ عَلَیۡهِنَّ مِن جَلَـٰبِیبِهِنَّۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یُعۡرَفۡنَ فَلَا یُؤۡذَیۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا” [الأحزاب ٥٩]. وهنا أسمحوا لي أن أسألكم مَن مِن المسلمين قرأ وبحث عن تفسير “ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یُعۡرَفۡنَ فَلَا یُؤۡذَیۡنَۗ؟” أعلم تماما أن الكثيرون لم يحاولوا البحث واكتفوا فقط بما يؤكده الفقهاء من أن هذه الآية تثبت فرض الحجاب على كل مسلمة بالغة. لكن من يبحث في التفاسير سيجد أن سبب نزول الآية هو أنه عندما كانت تخرج النساء ليلا لقضاء الحاجة في الصحراء كن يتعرضن للتحرش من قِبل بعض الرجال الذين يظنون أنهم مجرد جواري . فجاء الهدف من التشريع بفرض الحجاب على الرأس كعلامة على أن هذه المرأة حرة وليست جارية وهذا المقصود في التفاسير “بأن يعرفن” أي تُعرف أنها حرة ومن عائلة كريمة كي لا تكون عرضة لتحرش الرجال، وفي نفس الوقت فُرض على الجواري عدم تغطية شعورهن ليكون ذلك تمييزا لهن عن الحرائر. فوقتها لن تكون هناك مشكلة إذا ما تعرضت لأي تحرش أو مضايقات فهي ليست امرأة تنتمي لقبيلة معروفة أو لها زوج من رجال المسلمين!
وهنا سأنقل ما قاله ابن تيمية الذي يلقبونه “بشيخ الإسلام” حيث يقول: “والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها؟!” وهو أمر عجيب كل العجب. فهل عندما تريد امرأة حرة كانت أم جارية أن تغطي شعرها لا يُسمح لها بذلك؟ كما أن به من العنصرية الواضحة التي لاأجد لها مبررا. فالأمة كالمستباحة يمكن للرجل أن يتحرش بها ولسيدها معاشرتها وقتما شاء وليس لها أن تعترض. وكن يعرضن في الأسواق شبه عاريات لا حرمة لأجسادهن ولا كرامة لهن. ولا يأمر الرجل بغض البصر عنهن. إذا، فقد كان الهدف الواضح من الحجاب هو حماية زوجاتهم وبناتهم فقط من تحرش الآخرين وليس كما يدعون حماية كرامة المرأة وحفظ جسدها كالحلوى المغطاة!
وما ينبغي التوقف عنده أيضًا هو أن السبب في “نزول” آية الحجاب كان استجابة لرغبة عمر ابن الخطاب فقد قال لمحمد ذات مرة: “كانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يقولُ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: احْجُبْ نِسَاءَكَ” و”وقلتُ يا رسولَ اللهِ يدخلُ عليكَ البرُّ والفاجرُ فلو أمرتَ أمهاتِ المؤمنينَ بالحجابِ فأنزل اللهُ آيةَ الحجابِ” .
وقد روى البخاري عن عمر ابن الخطاب قوله: “قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، وافَقْتُ رَبِّي في ثَلَاثٍ: فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى، فَنَزَلَتْ: (وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى)” [البقرة: 125] وآيَةُ الحِجَابِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لو أمَرْتَ نِسَاءَكَ أنْ يَحْتَجِبْنَ، فإنَّه يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ والفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، واجْتَمع نِسَاءُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الغَيْرَةِ عليه، فَقُلتُ لهنَّ: (عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبَدِّلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنَّ)، فَنَزَلَتْ هذِه الآيَةُ (الأحزاب 5)!! فهل كان الله – حاشاه – ينتظر أن يُبدي عمر هذه الآراء حتى يوافقه ثم يُنزِّل الآيات التي تتوافق تماما مع رغباته؟ ألا يدعو ذلك إلى أي قدر من التشكك؟ كما كانت تشريعات الميراث ونقص شهادة المرأة من بين القضايا التي توقفت عندها كونها تؤكد وجود تمييز ضد المرأة وظلم كبير لها. فعندما يعتبر الإسلام أن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد، وكون النساء “ناقصات عقل ودين” وهو وصف وتعميم عجيب لشخص يفترض أنه نبي. وعندما يُشرّع القرآن أن “لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۚ” [النساء ١١] ألا يُعتبر ذلك ظلما وانتقاصا من حقوق المرأة؟
أعلم بالطبع الحجج والمبررات المكررة التي يردون بها على مثل هذه الانتقادات. فشهادة المرأة ناقصة لأنها في وقت حيضها قد تصاب بنقص في التركيز واضطراب في المزاج مما قد يؤثر على دقتها في أداء الشهادة كما يمنعها شرعا من تولي منصب قاضية. ونصيبها يكون نصف نصيب أخيها كون الرجل هو المعني بالقوامة والإنفاق على أسرته أما المرأة فلابد أن يكون لها زوج يعولها أو أخ ينفق عليها!! وهنا أسأل. هل تعتبر هذه المبررات منطقية من وجهة نظرك؟ فمعروف عن النساء دقتهن في تذكر التفاصيل بشكل كبير وبالتالي قد يكن أقدر على الإدلاء بشهادتهن. كما أن هناك الكثير من الدول يتولى بها النساء مناصب القضاء ويتميزون بالعدل والدقة ولا يشير أي أحد لنقص في قدراتهم. فالمرأة التي وصلت لأعلى المناصب من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وحتى تولي منصب وزيرة الدفاع وأثبتوا كفاءتهم في تولي كافة المناصب، هل يليق وصفهن في هذا الزمان بناقصات عقل؟
وبالنسبة للميراث وافتراض أن لكل امرأة رجل ينفق عليها ويتولى مسؤوليتها. هذا أمر غير واقعي على الإطلاق. فكم من النساء لم يتزوجن وربما لا يعملن ويحتجن أشد الاحتياج للحصول على ميراث لإعاشتهن. وهناك أرامل ومطلقات أو متزوجات لكن أزواجهن لا يعملون ربما لظروف مرضية أو قد يكون لديهن عدد من الأبناء يحتجن للكثير من النفقات، وقد يكون أخاها الذكر في حالة مادية متيسرة جدا وفي غير حاجة للنصيب المضاعف من الميراث. فأين العدل في ذلك؟
وأعود لقضية تعدد الزوجات والتي كانت من أولى القضايا التي أثارت بداخلي مضايقات ربما لكوني امرأة لم تتخيل يوما أن تكون لها ضرة. فقد كنت ولازلت لا أتخيل امرأة سوية تقبل بأن يكون لها ضُرة تشاركها زوجها مهما كانت المبررات. والأمر ليس فقط من باب الغيرة النسائية، وإنما كنت دائما ما أعتقد أن قوام الأسرة الطبيعية يتكون من أب وأم وأبناء. حتى وإن لم يرزقا بأطفال فستكون تلك إرادة الله. ولم أسمع يوما عن امرأة تركت زوجها وقررت الزواج من آخر لأنه يعاني مشكلة في الإنجاب فلماذا يكون العكس مسموحا ومشرعا وعلى أي امرأة أن تقبل بهذا الوضع دون أي اعتراض لأنه لا يجوز لها أن تعترض على شرع الله؟ وبالطبع لا يلجأ الرجال عادة للزواج الثاني أو الثالث أو الرابع فقط أملا في الإنجاب. فكثيرا ما يكون بسبب الرغبة في التجديد أو نتيجة وجود خلافات شديدة مع زوجته وعدم تقبله لها في الوقت الذي لا يرغب فيه بتطليقها على الأغلب حفاظا على استقرار الأبناء. وهو الأمر الذي يتحجج به البعض بأن الزواج الثاني أفضل بكثير من هدم الأسرة تماما وتشريد الأبناء. لكنني أتساءل أيضا: وهل من الأفضل أن يجد الأبناء والدهم مقيما معهم فقط لنصف الوقت أو ثلثه أو ربعه؟ وهل سيتمكن من متابعة أبناءه وإيجاد وقت لتربيتهم ومتابعتهم، مع الأخذ في الاعتبار بالطبع المشاكل المعقدة التي تنشأ بعد وفاة الوالد بسبب الصراع على الميراث بين أبناء الزوجات. وقد يقول قائل بأن تعدد الزوجات كان قائما منذ قديم الزمن وحتى الأنبياء في الكتب المقدسة كان الكثير منهم يعدد وكان الأمر طبيعيا. وأن تعدد الزوجات قبل الإسلام مباشرة لم يكن له أية ضوابط، لكن الإسلام جاء ليقننه وليضع حقوقا للزوجة لم تكن موجودة في العصر الجاهلي.
وفي الحقيقة أنا لا أعترض إطلاقا على كل تلك النقاط. لكن المشكلة الحقيقية تكمن عندما نقارن الإسلام بالمسيحية وليس بالمجتمع الجاهلي. فمن يقرأ العهد الجديد لابد وأن يلحظ الفرق. فإن كان الكثير من المسلمين يتشدقون الآن بأن الإسلام أعطى للمرأة ما لم تأخذه من حقوق على مر التاريخ. فماذا عن السيد المسيح؟
لم أر سموا في الحديث عن علاقة الرجل والمرأة كما رأيت من السيد المسيح الذي وضع الأساس لهذه العلاقة بقوله: “فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرا وَأُنْثَى؟” “وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدا وَاحِدا. إِذا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ” (مت 19: 4- 6)، إذا فالله خلق امرأة واحدة لرجل واحد وعلاقتهما مقدسة لأن الله هو الذي يجمعهما بسر مقدس ولهذا لا يجوز لأحد أن يفك هذا الرباط بالطلاق أبدا إلا في حال واحدة وضحها السيد المسيح بشكل صريح: “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي” (مت 19: 9).
وبصراحة كنت أعتبر أن هذا التشريع من أصعب الأمور في المسيحية لأنه يربط الزوجان برباط أبدي بغض النظر عن راحة أحد الطرفين أو سعادته. وهناك أمور بخلاف الزنا قد يكون من الصعب فيها التسامح واستكمال الحياة مثل التعرض لإهانات شديدة أو عدم تحمل المسؤوليات والواجبات الأسرية عن إهمال. لكنني عندما فكرت فيما بعد أنه لو علم كل اثنان مقبلان على الزواج أن هذا القرار هو قرار أبدي فسيحسنان الإختيار وسيفكران جيدا ويضعان المعايير السليمة دون تسرع. وأما بعد الزواج فمن الطبيعي ألا يخلو منزل من خلافات زوجية تتكرر من حين لآخر، لكن عندما يعلم الطرفان أنه ليس أمامهما سوى إيجاد حلول للمشكلات ومحاولة كل طرف إسعاد الطرف الآخر وبذل أقصى ما يستطيع لإنجاح العلاقة فسيستمر هذا الرباط الأبدي وسيباركه الله إن كان لدى الزوجان إيمان قوي ونية حقيقية لإرضاء الله. وسينشأ الأبناء في جو أسري مستقر يجعل منهم أشخاص أسوياء. على عكس إباحة الطلاق في أي وقت وتعدد الزيجات الذي نتج عنه على مدار قرون الكثير من المشكلات والتفكك الأسري الذي تسبب في ضياع الكثير من الأبناء.
وأنا هنا لا أحاول رسم صورة مثالية غير واقعية عن المجتمع المسيحي أو الإدعاء بأن الأسر المسيحية تسودها المحبة وتخلو من الخلافات وهذا غير صحيح بالطبع لأن المسيحيون هم أيضًا بشر خطاؤون. ودائما ما أقول ليس كل المسيحيين هم أتباع للمسيح كما أن ليس كل المسلمين يتبعون تعاليم الإسلام. وهناك من المسيحيين من يلجأ لتغيير طائفته أو للطلاق ثم الزواج المدني من أجل أن يتمتع بحرية الطلاق وإعادة الزواج مرة أخرى في مخالفة صريحة لتعاليم السيد المسيح: “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَة فَإِنَّهُ يَزْنِي” (متى5: 32).
ولكن رغم ذلك ورغم أن الكنيسة تتدخل عادة لحل الخلافات الزوجية إلا أنه في بعض الأحيان لا يمكن إصلاح الأوضاع. وقد يرفض الطرفان إكمال حياتهما سويا وهنا يمكن أن يلجآ للتفريق بمعنى الانفصال ولكن دون الحصول على طلاق رسمي يُمكّنهم من الزواج مرة أخرى. إذا فإباحة الطلاق وإباحة تعدد الزوجات في نظري من أكثر المسببات للتفكك الأسري ولتشريد الأبناء وللكثير من المشكلات والأزمات النفسية.
ولابد لي بالطبع من التوقف عند تعدد زيجات محمد وهي النقطة التي استوقفتني كثيرا، كما أثارت انتقاد الكثيرين للدين الإسلامي. وسيقول قائل وهل محمد وحده فقط هو من قام بالجمع بين العديد من الزوجات؟ والإجابة بالطبع لا. فالكثير من الأنبياء في العهد القديم قاموا بالتعدد أيضًا وكان ذلك نتيجة ممارسات مجتمعية سائدة وليس عن تشريع إلهي يُقنن هذا التعدد إلى يوم الدين، خاصة وأنه أتي بعد حكم السيد المسيح بمنع الطلاق إلا لعلة الزنا وبأن لكل رجل امرأة واحدة كما خلق الله لآدم حواء واحدة فقط فأعاد الأساس السليم للأسرة. فحتى الكتب الإسلامية تزخر بالمواقف التي تتجلى فيها غيرة زوجات محمد من بعضهن البعض، ومن الجواري اللواتي كان محمد يفضلهن في بعض الأحيان عن زوجاته. كما حدث عندما اختلى بجاريته ماريه القبطية في يوم زوجته حفصة وعلى سريرها وعندما رأتهما معا قالت له مستنكرة: “أفي بيتي وعلى فراشي؟!” فلكي يرضيها سارع بتحريم ماريه على نفسه. لكن تقول المصادر الإسلامية أنه بعد ذلك أرسل الله جبريل إلى محمد بالآية الأولى في سورة التحريم “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَاۤ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَۖ تَبۡتَغِی مَرۡضَاتَ أَزۡوَ ٰجِكَۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ” [التحريم ١]، وهذا بالطبع لدفع الحرج عن نفسه لأنه كان يريد العودة عن تحريمها عليه، فكان الحل الوحيد هو عتاب إلهي يبيح له العودة عن قراره وبشكل لن تتمكن نساءه من المجادلة فيه باعتباره حكم الله. ألهذا الحد يمكن ألا يعبء الله بمشاعر الزوجات ويُفضل جارية على زوجة خانها زوجها على فراشها؟!
ولماذا كل هذه الامتيازات النسائية لمحمد من ثلاثة عشر زوجة في حين يسمح للعامة بأربعة فقط إلى جانب عدد لامتناهي من الجواري والسبايا بل والأدهى والأبشع ما شرعته هذه الآية: “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَ ٰجَكَ ٱلَّـٰتِیۤ ءَاتَیۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ یَمِینُكَ مِمَّاۤ أَفَاۤءَ ٱللَّهُ عَلَیۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـٰلَـٰتِكَ ٱلَّـٰتِی هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَٱمۡرَأَةࣰ مُّؤۡمِنَة إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِیِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِیُّ أَن یَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةࣰ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۗ …” [الأحزاب ٥٠]!! وتروي عائشة قائلة: “كنتُ أغارُ على اللَّاتي وَهبنَ أنفسَهنَّ للنبي فأقولُ: أوَ تَهَبُ الحرَّةُ نفسَها؟! فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ قلتُ: واللَّهِ! ما أرى ربَّكَ إلَّا يسارعُ لَكَ في هواكَ” فنزلت آية [الأحزاب ٥١] “تُرۡجِی مَن تَشَاۤءُ مِنۡهُنَّ وَتُـٔۡوِیۤ إِلَیۡكَ مَن تَشَاۤءُۖ وَمَنِ ٱبۡتَغَیۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكَۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن تَقَرَّ أَعۡیُنُهُنَّ وَلَا یَحۡزَنَّ وَیَرۡضَیۡنَ بِمَاۤ ءَاتَیۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا فِی قُلُوبِكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیما حَلِیمࣰا” [الأحزاب ٥١]
أما عن “خَالِصَةࣰ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۗ …” [الأحزاب ٥٠] فسرها الطبري قائلا: “يقول: ليس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر، إلا للنبي، كانت له خالصة من دون الناس!” وهنا أترك لكم التفكير والتعليق المناسب. لكنني أقول فقط إن فطرتي السليمة لم تقتنع أن يكون الله قد أحل مثل هكذا أحكام. وبالطبع دائما ما يتم نفي أن يكون لمحمد رغبة زائدة في النساء على الرغم من أنه قال في حديث له: “حُبِّبَ إليَّ من دُنياكم: النِّساءُ والطِّيبُ، وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصلاةِ” فيحاولون دائما إيجاد المبررات من أجل تعدد زوجاته، معتبرين أن لكل زيجة هدف ديني أو رغبة سامية من محمد في الاعتناء بتلك المرأة وإعانتها على المعيشة. وأن زواجه من فتاة في عمر التسع سنوات كان أمرا منطقيا في ذلك الوقت وأن الفتيات كن يتزوجن في مثل هذا العمر، ولا يرون ما يدعو للنفور إطلاقا في حين أنهم لا يتوقفون أبدا عند قصة في غاية الأهمية لفتت انتباهي كثيرا عندما كان محمد يبحث بنفسه عن زوج مناسب لابنته فاطمة وكانت وقتها في الثامنة عشرة من عمرها، فطلبها كل من أبي بكر الصديق وعمر ابن الخطاب – أقرب الصحابة لقلبه وأيضًا أنسبائه بحكم زواجه من ابنتيهما – لكنه رفض أن يعطي أيا منهما ابنته واختار لها الشاب علي ابن أبي طالب زوجا لها لأنه الأقرب لها سنا. واعتبر أنهما كبيران في السن وغير لائقان للزواج من ابنته الشابة ، في الوقت الذي استباح لنفسه الزواج من الطفلة عائشة ذات التسع سنوات وكان هو وقتها في الحادية والخمسين من عمره تقريبا! فلماذا لم يستنكر ما استنكره لابنته مدعيا أن إرادة الله هي التي جعلته يقدم على الزواج منها وليس لأي أهداف أخرى؟!
هناك مواقف تحتم على الإنسان الوقوف عندها والتأمل فيها وليس فقط قبول كل ما يقال أنه مقدس مع رفض أي نقد له مثلما حدث أيضًا في قصة زواجه من زينب بنت جحش التي تروي المصادر الإسلامية أنها كانت ابنة عمة محمد وقام بنفسه بتزويجها من ابنه بالتبني زيد بن حارثة. ويروي ابن إسحق: “مرض زيد بن حارثة فدخل عليه رسول الله يزوره، وزينب بنت جحش امرأته جالسة عند رأس زيد. فقامت زينب لبعض شأنها فنظر إليها الرسول ثم طأطأ رأسه فقال:[ سبحان الله مقلب القلوب والأبصار ]. فقال زيد: [ أطلقها لك يارسول الله؟ ]. فقال: لا. فأنزل الله: “وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ” [الأحزاب:37].
إذن فيفترض أن الله أنزل فرمانا سماويا من فوق سبع سماوات بتطليق زينب من زوجها زيد وتزويجها لوالده بالتبني الذي أعجب بها فجأة فقط لأن الله – حاشاه – أراد أن يُشرّع زواج الأب من زوجة أو طليقة ولده بالتبني، وهو الأمر الذي كان يستنكره العرب في الجاهلية أشد الاستنكار. ولذلك أثارت هذه الآية وهذا التشريع استنكارا واسعا فما كان من محمد إلا أن قام بإلغاء التبني من الأساس والادعاء بأن الله أنزل آية تقول: “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَاۤ أَحَدࣲ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِیِّـۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣰا” [الأحزاب ٤٠]، و”وَمَا جَعَلَ أَدۡعِیَاۤءَكُمۡ أَبۡنَاۤءَكُمۡۚ” [الأحزاب ٤]، وبالتالي ألغى كون زيد في حكم ابنه ولا تكون زينب في حكم زوجة ابنه فيهرب من الحرج الذي وقع فيه! وهذا ما حدث كثيرا. فعندما كان يقع في مأزق ويستنكر الكثيرون ما يفعل يفاجأهم بآيات يدعي نزولها من السماء لتأييد رغباته. كما أكدت عائشة في قولها صراحة له: “أرى ربك يسارع في هواك”. ويبدو أنها كانت تدرك جيدا ما يفعل. فهل يحتاج الله لمبررات وينتظر حدوث مواقف معينة ليقوم بإنزال آيات توائمها ويعطي التشريع لها؟! فهل كان على الله أن يقوم بتطليق زينب من زوجها ويزوجها بمحمد ثم يقوم بإلغاء حكم التبني بالكامل والذي كان ولازال الملاذ للكثير من الأيتام لينشأوا في كنف عائلة بكل محبة وعزة، ثم بإلغاء هذا الحكم أصبح من غير الجائز أن ينسب مسلم طفلا يتيما له ويجعل له نصيبا في ميراثه بمحض إرادته ويكفل له حياة كريمة. لكن بدلا من ذلك يقرر الإسلام إلغاء هذا الحكم فقط ليصبح من حق محمد ومن حق أي شخص الزواج من طليقة ابنه بالتبني دون أن يشكل ذلك حرجا أو عيبا في حقه. فهل يتناسب هذا مع عدل الله ورغبته في الحث على المساعدة والخير؟ وألا تدل كل تلك المواقف على شهوة زائدة لمحمد وعشق للنساء بشكل يتنافي مع وقار النبوة. حتى أن تطلعاته فاقت الحدود الدنيوية لتصل لتخيل وجود حور عين في الجنة كمكافأة للمؤمنين وكشكل من أشكال الملذات التي سيتمتع بها الرجال – وحدهم بالطبع – هناك. وكلمة حوراء تعني المرأة شديدة البياض وعيونها سوداء داكنة جدا وتوصف بالحسن والبهاء.
وفي حديث لمحمد في صحيح مسلم “إنَّ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَة، رَجُلٌ صَرَفَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الجَنَّةِ، ومَثَّلَ له شَجَرَة ذاتَ ظِلٍّ، فقالَ: أيْ رَبِّ، قَدِّمْنِي إلى هذِه الشَّجَرَةِ أكُونُ في ظِلِّها وساقَ الحَدِيثَ بنَحْوِ حَديثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ولَمْ يَذْكُرْ: فيَقولُ: يا ابْنَ آدَمَ ما يَصْرِينِي مِنْكَ؟ إلى آخِرِ الحَديثِ، وزادَ فِيهِ: ويُذَكِّرُهُ اللَّهُ، سَلْ كَذا وكَذا، فإذا انْقَطَعَتْ به الأمانِيُّ، قالَ اللَّهُ: هو لكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ، قالَ: ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، فَتَدْخُلُ عليه زَوْجَتاهُ مِنَ الحُورِ العِينِ، فَتَقُولانِ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْياكَ لَنا، وأَحْيانا لَكَ، قالَ: فيَقولُ: ما أُعْطِيَ أحَدٌ مِثْلَ ما أُعْطِيتُ “. وفي القرآن العديد من الآيات التي تتحدث عن وصفهن ترغيبا للمؤمنين في الجنة. ففي آية “وَلَهُمۡ فِیهَاۤ أَزۡوَ ٰجࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ وَهُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ” [البقرة ٢٥] ومطهرة تعني من الحيض والنفاس وكل شيء قذر بحسب التفاسير، وفي آية أخرى: “فِیهِنَّ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنسࣱ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنࣱّ” [الرحمن ٥٦] بمعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم. ومعنى لم يطمثهن أي لم يمسسهن أحد فهن أبكار. وفي آية أخرى: “إِنَّاۤ أَنشَأۡنَـٰهُنَّ إِنشَاۤءࣰ ٣٥ فَجَعَلۡنَـٰهُنَّ أَبۡكَارا ٣٦ عُرُبا أَتۡرَابࣰا ٣٧ لِّأَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ ٣٨” [الواقعة 35-٣٨] وفي حديث آخر: “لو أنَّ امرأة من نساءِ أهلِ الجنةِ اطَّلعت إلى الأرضِ لأضاءَتْ ما بينَهما ولملأَتْ ما بينهما رِيحا ولَنَصيفُها على رأسِها خيرٌ من الدنيا وما فيها” وأيضًا “للرجُلِ من أهلِ الجنَّةِ زَوجتانِ من حُورِ العِينِ، على كلِّ واحدةٍ سَبعونَ حُلَّة، يُرى مُخُّ ساقِها من وَراءِ الثيابِ “. ويؤكد محمد أنه “عطى المؤمنُ في الجنَّةِ قوَّةَ كذا وَكذا في الجِماعِ قيلَ يا رسولَ اللَّهِ أوَ يُطيقُ ذلِكَ قالَ يعطى قوَّةَ مائةٍ “.
أما الشهيد المجاهد في سبيل الله فقد أعطي له مجموعة من الامتيازات الحصرية من بينها الزواج من اثنتين وسبعين من الحور العين. وسأترك لكم التعليق على قضية الحور العين لكنني أتساءل فقط مجرد سؤال صغير عن النساء في الجنة. ماذا سيفعلن عندما يكون لأزواجهن كل هذا العدد من الحور العين؟ وهل سيكتب عليهن التعدد في الآخرة كما في الدنيا أيضًا؟ والأهم. لماذا نفى السيد المسيح وجود زواج من الأساس في الجنة؟ فعندما سأل اليهود السيد المسيح ليختبروه عن امرأة تزوجت أكثر من مرة بعد وفاة أزواجها فلمن ستكون زوجة في الملكوت بعد القيامة، “فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ. لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ” (مت 22: 29، 30). وبذلك نفى تماما احتياج البشر للشهوات الجسدية الدنيوية لأن من سيدخلون الملكوت سيكونون كالملائكة. فهل من المنطقي إن كان محمد نبيا من عند الله أن يأتي بأمر مخالف تماما لمن سبقه فيصبح بينهما تعارض واضح؟! وليس في هذا الموضع فقط وإنما اختلاف الأحكام لا يُخفى على أحد ممن يقرأ العهد الجديد والقرآن ويقارن بينهما.