الفصل السابع
لماذا أيقنت أن المسيح هو الطريق والحق والحياة؟
ذكرت من قبل خواطري حول المرة الأولى التي قرأت فيها الإنجيل وكنت لازلت في التاسعة عشر من عمري، ثم حرصي على قراءة خطبة الجبل من حين لآخر واعتبارها بمثابة التعاليم الأسمى التي حرصت على محاولة تطبيقها في حياتي اليومية رغم استمراري في الإيمان بالعقيدة الإسلامية وتطبيق الفروض. حتى قراري وأنا في الثالثة والثلاثين بالبحث جيدا والدعاء إلى الله بأن أصل إلى يقين بشأن الطريق الوحيد إلى الله. وماحدث معي عندما اتخذت النية الصادقة للوصول للحق أنني وذات يوم سمعت صوتا بداخلي يقول لي نصا: “طهري قلبك أولًا حتى يتمكن النور من الدخول إليه” وأدركت على الفور أن علي أن انقي قلبي من كل ضغينة تجاه من قاموا بإيذائي ولم أستطع مسامحتهم رغم أنني كنت أظن أني غير مخطئة لأنني الطرف المظلوم فكنت أحيانا أقول “حسبي الله ونعم الوكيل” عندما أتعرض للظلم وأطلب من الله أن يأخذ لي حقي يوم القيامة من كل شخص آذاني حتى ولو كان من المقربين. وكنت أظن أن هذا حقي. لكن هذا الإلهام الداخلي العجيب الذي حدث معي للمرة الأولى جعلني أدرك على الفور أن هذه ليست إرادة الله لنا أن نطلب القصاص لأنفسنا. فحتى وإن كنا مظلومين لكن الله يريد منا أن نسامح حتى من تعمدوا إيذائنا كثيرا ولم يطلبوا السماح. فالله بالفعل يريد منا أن نحب أعدائنا وأن نبارك لاعنينا ونحسن إلى مبغضينا وهو الأمر الذي لم أتعلمه من الإسلام. فمبدأ العين بالعين والسن بالسن والدعوة على الظالم هي أمور لا تخالف الإيمان طالما أنك لم تعتدي على شخص لكن ليس عليك مسامحته أو الدعاء له. وماجعلني أوقن من أن هذه التجربة الروحية التي مررت بها كانت من الله نفسه أنني ورغم أن الصوت كان بداخلي كما لو كنت أحدث نفسي لكن لم تكن هذه الكلمات مني ولم أكن حتى أفكر في هذا الأمر، فكما قلت لم أكن أظن نفسي مخطئة عندما كنت أطلب من الله أن يحاسب من آذوني. وتساءلت: “ما هذا الكلام الغريب؟” لكن يقينا داخليا أكد لي أنها رسالة من الله كي أغفر تماما لكل من أساء إلي قبل أن أبدأ رحلة بحثي، وهو ما فعلته بالضبط في تلك اللحظة، ووجدتني أطلب من الله الغفران لي ولكل شخص آذاني وأدعو الله لهم بكل خير.
ورغم أنني لا أدعي أنني وصلت لكامل صفاء القلب لكنني تعلمت من درسي الأول في المسيحية أن أسعى دائما للمغفرة، وهو الأمر الأكثر احتياجا للجهاد بالفعل. ووحده الله هو القادر على مساعدتنا على تخطي صعوبته. فما أسهل أن نحب من يحبوننا وأن نعاملهم بإحسان وما أقسى أن نغفر بصدق ونصلي بإخلاص من أجل كل من يتعمد الإساءة لنا. لكن هذه هي إرادة الله وهذا هو جوهر الإيمان المسيحي. كانت تلك هي المرة الأولى التي اختبر فيها عمل الروح القدس. لم أدرك بالطبع في ذلك الوقت هذا الأمر فلم أكن قد توسعت في معرفتي بالمسيحية لكنني أيقنت فقط أن هذا الصوت الداخلي هو إلهام من الله.
أما تجربتي الثانية فحدثت ذات ليلة بعد أن قمنا أنا وزوجي بمشاهدة إحدى المناظرات بين شيخ مسلم وكاهن مسيحي حول صلب المسيح، وذلك أثناء رحلة بحثنا أنا وزوجي عن الحق. في تلك الليلة وقرب الصباح حدث معي أمر عجيب. كنت في حالة بين النوم واليقظة وسمعت صوتا يقول بداخلي “لابد للبذرة أن تُدفن في الأرض حتى تأتي بالثمار” وفهمت على الفور وكأن هناك برنامج ترجمة فورية بداخلي أن المقصود هو أن السيد المسيح كان لابد وأن يموت بشكل حقيقي لمدة ثلاثة أيام حتى يتمكن من إتمام مهمته. وعندما استيقظت كنت في حالة تعجب مما حدث ولم أفهم ما سمعته هل هو آية من الإنجيل أم ماذا. لأنني في ذلك الوقت كنت لازلت أقرأ في العهد القديم ولم أكن قد وصلت بعد إلى العهد الجديد الذي كنت قد قرأته كاملا مرة واحدة فقط قبلها بأربعة عشر عاما. فحاولت البحث على الإنترنت نصا عما سمعت: “لابد للبذرة أن تُدفن في الأرض حتى تأتي بالثمار” حيث كنت أظن أنها نص آية من الإنجيل، لكنني لم أجد شيئا بهذا المعنى الحرفي. ووقتها أخبرت زوجي بماحدث وأنني شعرت بالفعل وكأنها رؤيا وليست مجرد أضغاث أحلام لأن هذا المثل كان غريبا جدا ولم يسبق لي أن سمعته من قبل. لكنني في الوقت نفسه لم أجد شيئا على الإنترنت يفسر لي ذلك، فظننت أنني تاثرت بالمناظرة التي شاهدناها في اليوم السابق وأن ما رأيته كان مجرد أضغاث أحلام حيث لم أجد لها تفسيرا.
لكن ماحدث بعد ذلك بنحو شهرين وكنت قد وصلت لقراءة العهد الجديد أن فوجئت أثناء قراءتي في إنجيل يوحنا الإصحاح الثاني عشر بالآية الرابعة والعشرون تقول: “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ” (يو 12: 24). وحبة الخردل هنا ترمز للسيد المسيح، وهذه الحبة هي أصغر جميع الحبوب ولكن رغم ذلك فهي الحبة الأكثر إنتاجا للثمار. لذلك فثمار موت السيد المسيح على الصليب هي ثمار عظيمة بحق. يا الله! ما أعجب طرقك وما أجملها! كانت سعادتي عظيمة عندما رأيت الآية وأدركت أن ما رأيته لم يكن أضغاث أحلام وإنما رؤيا من الله أراد بها تأكيد حقيقة صلب المسيح وموته وقيامته. وكانت هذه من الأمور اليقينية التي أرشدني بها الله لحقيقة المسيحية. لكنني لم أكتف فقط بالرؤى بل على العكس، فكما ذكرت كنت قد مررت بأكثر من رؤية في السابق لكنني آثرت ألا أعتمد عليها للوصول لقرار يقيني بل علي أن أعتمد على عقلي أولًا وإرشاد الله لي أثناء البحث وهو ما حدث بالفعل.
فأثناء قراءتي الثانية والمتعمقة للعهد الجديد. توصلت لأمور يقينية وهي أمور كنت قد توصلت للبعض منها أثناء قراءتي الأولى والباقي أدركته بشكل عميق بعد انتهائي من هذه القراءة الثانية خاصة بعد انتهائي من قراءة العهد القديم كاملا ومن البحث في العديد من النقاط في الإسلام. وسأذكر تفصيليا أبرز النقاط التي توصلت إليها في المسيحية فيما يلي:
هناك أربعة أناجيل ينسب اثنان منهم لتلاميذ السيد المسيح وهم من عاشوا معه وعاصروه فيُعتبروا كشهود عيان وهم “متى ويوحنا”. والإنجيل الثالث كتبه مرقس الذي كان مترجما ومرافق لبطرس تلميذ السيد المسيح. أما الإنجيل الرابع فكتبه “لوقا” وهو طبيب يوناني كان من أوائل من اعتنقوا المسيحية وكان مرافقا للتلاميذ وسمع منهم كل ما رأوه وعاينوه، كما رافق بولس منذ إيمانه وهو من كتب سفر أعمال الرسل الذي يحكي ما حدث منذ صعود السيد المسيح إلى السماء بعد قيامته. وهو جزء غاية في الأهمية لأنه يؤكد على ما جاء في الأناجيل الأربعة ويحكي ما حدث أثناء وبعد حلول الروح القدس على التلاميذ ورحلة البشارة في العالم. ويؤكد أن التلاميذ كانوا يبشرون بيسوع المسيح كابن لله ومخلص للبشر نزل من السماء لهذا الهدف وصُلب ومات ودفن وقام في اليوم الثالث ورآه كافة التلاميذ وظهر لهم لأربعين يوما وليس لمرة واحدة فقط. إذا فكما ذكرت من قبل لم يوجد إنجيل واحد نزل من السماء على السيد المسيح بنفسه، وإنما بعد قيامته بين أعوام 70 – 100 ميلادية بدأت كتابة الأناجيل المختلفة. فلو كان هناك إنجيل نزل عليه كما يقول القرآن فكيف كان تلاميذه سوف يجرؤون على كتابة أناجيل أخرى؟ ولو كان السيد المسيح لم يصلب إذا فقد سمح الله بأن تقوم المسيحية على كذبة كبيرة نشرها التلاميذ حول العالم، وكل من آمن بالديانة المسيحية قبل الإسلام كان على ضلال حتى قرر الله بعد ستمائة عام أن يرسل نبي آخر يكشف الخدعة الكبرى ويؤكد أن من صلب لم يكن هو المسيح وإنما شبيه له! فماذا كان الهدف إذا من واقعة الصلب؟ فإن كان الله يريد أن ينجي المسيح كما يظن المسلمون فبكل بساطة سوف سينقذه من بين أيديهم ويرفعه أمام أعينهم إلى السماء كي يعلموا الحق. وليس بأن يقوم بتمثيلية هزلية من خلال إضفاء شبهه على شخص آخر لكي ينخدع الجميع بمن فيهم أم المسيح وتلاميذه ويبكون عليه دون أن يعلموا ما حدث!
ثم ماذا عن القيامة التي لم يشهدها التلاميذ وحدهم؟ فقد ذكر الإنجيل أن أكثر من خمسمائة شخص قد رأوه بعد قيامته حيث ظهر لهم على مدار أربعين يوما. وكان يجلس مع تلاميذه ويأكل معهم ويتجول بصحبتهم. والأهم من ذلك أنه أخبرهم أكثر من مرة قبل صلبه بأن الهدف الرئيسي من نزوله من السماء وأن مهمته الأساسية على الأرض تتمثل في تقديم نفسه كذبيحة لفداء البشر. فمن يؤمن به ويتبع تعاليمه فسينال الخلاص المجاني من العذاب الأبدي. وهو الأمر الذي تشهد بصحته أيضًا العديد من نبوات العهد القديم كما ذكرت سابقا. ووجدت العديد من الآيات التي جاءت في العهد الجديد على لسان السيد المسيح نفسه والتي تنبأ فيها بصلبه: “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إلى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ” ( يوحنا 3: 16، 17). “وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا قِائِلا: قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ” ( يوحنا 12: 23، 24) “اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟ وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إلى هذِهِ السَّاعَةِ” (يو 12: 27). “38 حِينَئِذٍ أَجَابَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَة. فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَة، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ” (متى 12: 38- 40) “وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلا: اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا” (مت26: 27، 28) “مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إلى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ” (مت 16: 21). “ثُمَّ إِنَّ سِمْعَانَ بُطْرُسَ كَانَ مَعَهُ سَيْفٌ، فَاسْتَلَّهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى. وَكَانَ اسْمُ الْعَبْدِ مَلْخُسَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟” (يوحنا 18: 10، 11).
عندما قرأت هذه الآيات دارت في ذهني تساؤلات عدة. لماذا سيقوم المسيحيون على ابتداع مثل تلك القصة؟ ولماذا إصرار القرآن على نفي صلب المسيح؟ وهل هناك شواهد تاريخية أو شهود غير مسيحيون على قصة الصلب هذه، أم أن هذه القصة تداولتها الأناجيل المسيحية فقط وبالتالي يمكن بالفعل التشكيك بها؟ وأشكر الله الذي كان يسارع بتقديم الإجابات لي بطريقة عجيبة. حيث وجدت أنه من غير المنطقي أن يخترع المسيحيون قصة كهذه ويكرسون حياتهم لنشرها في العالم أجمع ويلاقون في سبيل ذلك أنواع العذابات والاضطهادات المختلفة حتى أن معظمهم قتلوا نتيجة تبشيرهم بالمسيحية. فهل يعقل أن يموت شخص دفاعا عن فكرة يعلم تماما كذبها؟ ليس ذلك فقط بل إن الرسول بولس يقول في إحدى رسائله: “فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ! وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أيضًا إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أيضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ، إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ” ( كورنثوس الأولى 15: 13- 15).
كلمة الإنجيل التي لم أكن أعرف معناها أنا والكثير من المسلمين لا يُقصد بها الكتاب وإنما تعني الأخبار السارة. أن يسوع المسيح أتي مخلصا وأنه صلب من أجل خطايا البشر ومات لكنه انتصر على الموت وقام في اليوم الثالث ليعطينا معه حياة أبدية ويخلصنا من الموت. وقد قال السيد المسيح لأتباعه بعد قيامته: “وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إلى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ” (مر16: 15، 16) وقال أيضا: “وَقَالَ لَهُمْ: هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ” (لو 24: 46).
لقد فكرت كثيرا، ما سبب إصرار القرآن على نفي قصة صلب المسيح؟ فالقرآن ذكر عن اليهود: “وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ یَقِینَۢا” [النساء ١٥٧].
الغريب أنني اكتشفت أن هذه الآية تحتوي على خطأ فادح حيث ينقل عن اليهود وصفهم لعيسى بالمسيح وهو ما لم يحدث، فاليهود لم يؤمنوا بأنه هو المسيح أبدا ومن آمن منهم أنه المسيح المنتظر أصبح مسيحيا. فمشكلة اليهود أنهم اتهموا يسوع بانتحال صفة المسيح الذي ينتظرونه. فلا يمكن لليهود أن يقولوا أنهم قتلوا المسيح وإلا يكونون بذلك قد اعترفوا به. وهو ما لم يحدث! ولكن من أين أتي محمد بموضوع “شبه لهم” هذا؟
إذا عُرف السبب بطل العجب بالفعل.
فما اكتشفته، أن محمدا كان قد أخذ الكثير من القصص من التوراة ومن كتب النصارى المنحولة التي كانت منتشرة في الجزيرة العربية وقام بنقل هذه القصة من كتب طائفة من النصارى تدعى “الغنوصية”. هذه الطائفة تنتمي لفكر فلسفي وهي تسبق الديانات لكنها تماشت معها وامتزجت بها لتُشكل فكرا جديدا، خاصة مع اعتناق معظم أعضائها للمسيحية لكن بشكل يتفق مع تصوراتهم الصوفية والفلسفية. فنشأت عقيدة خاصة تختلف كل الاختلاف عن المسيحية الرئيسية. فإذا عرفنا أن طائفة من الغنوصية تدعى الدوسيتية كانت موجودة بالجزيرة العربية منذ القرن الثاني الميلادي أطلقت الكنيسة الرسمية على تلك الكتابات “ابو كريفا ” أو “الكتابات “المنحولة” سواء كانت كتابات عادية أو أناجيل منحولة غير معترف بها قانونيا ولا تمت إلى الحقيقة بأي أدلة والتي جاء في بعض من هذه الكتب ان المسيح لم يصلب بل كان هناك بديل أو “شبيه له” ، او كان المسيح ليس له جسد بل له “ظل” الجسد واختلفوا أيضًا، كالمسلمين، في شخص البديل أو الشبيه. وهي من طوائف النصارى الخارجين عن جموع المسيحيين ولهم أناجيل مزيفة، وأن هذه الطائفة كانت تؤمن بأن يسوع المسيح هو إنسان تقي اختاره المسيح ابن الله ليحل بروحه فيه، وأن من قُتل كان الجسد فقط أما روح المسيح فلم تصلب أو تتعذب لأن المسيح كائن روحاني. لذلك ظن الناس أن المسيح هو الذي صُلب لكن كان هذا وهما لأن الروح لا تتعذب كالجسد، فما قتلوه يقينا ولكن شبه لهم أما المسيح كروح فرُفع إلى السماء دون أن يصبه أذى! هذا الإكتشاف وغيره أكد لي بالفعل أن كل ما جاء في القرآن من معلومات كان مأخوذا بالتفصيل نقلا عن كتب الديانات الأخرى التي كانت موجودة في الجزيرة العربية كما ذكرت سابقا. كما كان على محمد بالطبع أن ينفي صلب المسيح وعمله الخلاصي على الصليب لأنه إذا آمن به وصدقه فسيُعارض ذلك نبوته ولن تصبح هناك أية حاجة لأن يرسله الله. فالمسيح جاء ليتمم النبوات وليُقدم الخلاص المجاني لكل من يؤمن به، كما فتح باب الخلاص لكافة الأمم بعد أن كان مقصورا على اليهود. فما الداعي لإرسال أي نبي أو رسول بعده؟
وهناك نقطة هامة جدا اكتشفتها أيضًا أثناء بحثي. أن لفظ رسول هو لفظ مسيحي، ولم يسبق قبل المسيحية أن أطلق على شخص أنه رسول بل وصف الكتاب المقدس رجال الله بالأنبياء وليس بالرسل. وجاء لفظ رسول في العهد الجديد لوصف من بشروا بالسيد المسيح ودعوا للإيمان به لأنه هو من أرسلهم فكانوا يلقبون برسل المسيح وليس رسل الله. كما نجد في بداية رسالة بولس لأهل رومية عندما كتب واصفا نفسه: “بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله” كما وصف بطرس نفسه في رسالته الثانية ب سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيمانا ثمينا مساويا لنا ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح. “إذا فقصة شبه لهم ونفي صلب المسيح لم تكن كشفا ووحيا إلهيا لمحمد ولكنها كانت هرطقات طائفة من النصارى الذين سكنوا الجزيرة العربية وقت محمد الذي اطلع على معتقداتهم بكل تأكيد. كما أشرت من قبل للعديد من القصص التي أخذها منهم عن الثالوث المريمي، وتكلم المسيح في المهد، وخلقه من الطين كهيئة الطير. أما بالنسبة للتساؤل الذي دار بداخلي حول ما إذا كان هناك شهودا غير مسيحيين قد قاموا بتوثيق قصة الصلب. فبالبحث وجدت أن هناك بالفعل عددا من المؤرخين المعاصرين والتالين لعصر المسيح ذكروا صراحة وتفصيليا أحداث الصلب كونها كانت فارقة وكان لها عظيم الأثر ليس فقط على من آمنوا بالمسيحية وإنما على غير المؤمنين الذين شهدوا انتشار وتوسع المسيحية وما ترتب على حادثة الصلب هذه من الجانب التاريخي. وأتمنى من القارئ أن يبحث جيدا في هذه النقطة كونها غاية في الأهمية وتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن يسوع المسيح قد صلب بالفعل وأن هذه القصة لم تكن من اختراع تلاميذه.
هناك فيلم أمريكي بعنوان “القضية المسيح” تم إنتاجه عام 2017 استنادا إلى كتاب يروي قصة واقعية حدثت لأحد الصحفيين قبل حوالي الأربعين عاما، حيث كان وقتها ملحدا وقررت زوجته اعتناق المسيحية وهوما أثار غضبه فقرر دون أن يخبرها أن يجري بحثا ليثبت لها عدم وجود أدلة تاريخية على حقيقة صلب المسيح وموته وقيامته. فقام بلقاء علماء ورجال دين وبحث في مخطوطات تاريخية لمؤرخين وفلاسفة يهود ويونانيين ورومان عاصروا هذه الأحداث أو جاءوا بعدها لكنهم توصلوا بالأدلة لصحتها. ليصل في النهاية لحقيقة الإيمان المسيحي ليقرر هو نفسه اعتناق المسيحية بعد أن كان هدفه من رحلة البحث أن يقنع زوجته بخطأ قرارها وأن يبعدها عن المسيحية! دفعني هذا الفيلم للبحث في تلك النقطة ووجدت أن من بين هؤلاء المؤرخين والفلاسفة:
المؤرخ الروماني كرنيليوس تاسيتوس الذي عاش بين أعوام (55-120م). ويعد واحدا من أعظم مؤرخي الدولة الرومانية. ووردت في كتاباته العديد من الإشارات عن السيد المسيح والمسيحية. وكان مما كتب “ولكي يتخلص نيرون من التهمة (أي حرق روما) ألصق هذه الجريمة بطبقة مكروهة معروفة باسم المسيحيين ونكل بها أشد تنكيل. فالمسيح الذي اشتق المسيحيون اسمهم منه كان قد تعرض لأقصى عقاب في عهد طيباريوس على يد أحد ولاتنا المدعو بيلاطس البنطي. وقد راجت خرافة من أشد الخرافات إيذاء وإن كانت قد قيدت لفترة قصيرة ولكنها عادت وانتشرت ليس فقط في اليهودية المصدر الأول لكل شر، بل انتشرت أيضًا في روما التي أصبحت بؤرة لكل الأشياء الخبيثة والمخزية التي ترد إليها من جميع أقطار العالم”. ويبدو أنه قصد ب “الخرافة” واقعة القيامة التي كان غير المسيحيين بالطبع يرفضون تصديقها. لكنه أكد تعرض المسيح لأقصى عقاب.
وهناك رسالة من حاكم مقاطعة بونتوس الذي عاش بين أعوام (61 – 112م) إلى الإمبراطور تراجان يخبره فيها أن أتباع المسيح بدلا من أن يسجدوا للآلهة ولصورة الإمبراطور يسجدون للمسيح الملعون ويحتفظون بصورة صليبه.
أيضًا كان الإمبراطور هادريان قد بعث برسالة إلى مينوسيوس يؤكد له فيها أنه يعاقب المسيحيون بالصلب مثل مسيحهم.
ومن بين المؤرخين أيضًا لوسيان اليوناني وهو أحد مؤرخي اليونان البارزين في مطلع القرن الثاني الميلادي، وكان يتعجب من استعداد المسيحيين للاستشهاد في سبيل عقيدتهم قائلا: “إن المسيحيين كما تعلم ما زالوا إلى هذا اليوم يعبدون رجلا وهو شخصية متميزة إستن لهم طقوسهم الجديدة وصلب من أجلها. ومنذ اللحظة التي اهتدوا فيها إلى المسيحية وأنكروا آلهة اليونان وعبدوا الحكيم المصلوب استقر في عرفهم أنهم إخوة”.
ومن أهم المؤرخين اليهود الذين كتبوا عن واقعة الصلب “يوسيفوس فلافيوس” (38 – 100م تقريبا) في كتابه التواريخ الذي كُتب بين 90 و95 م، فقال: “وفي ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يدعى يسوع اشتهر بحسن السلوك وبالتقوى فتبعه عدد غفير من بين اليهود والأمم الأخرى. غير أن بيلاطس البنطي حكم عليه بالموت صلبا. أما الذين تبعوه فلم يتخلوا عن تلمذتهم له. وادعوا أنه قد ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنه حي. وبناء عليه فقد يكون هو المسيح الذي عزا إليه الأنبياء أشياء عجيبة”، إن شهادة يوسيفوس هذه قد سبقت شهادة أغلبية المؤرخين الوثنيين. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن يوسيفوس قد اشتهر بين أقرانه بالموضوعية، وأنه عالج هذه الواقعة التاريخية من خلال المعطيات اليهودية، تبين لنا أن هذا النص هو نص تقريري جدير بالثقة.
يُقّسَم التلمود إلى مجموعتين أساسيتين هما: المشنا والجمارة. أما المشنا فهي التقاليد الشفوية القديمة التي توارثتها أجيال المجتمع اليهودي المتعاقبة ثم تمَّ تدوينها في القرن الثاني الميلادي. أما الجمارة فهي حصيلة الشروحات والتعليقات على المشنا. وقد جاء في النسخة التي نشرت في أمستردام عام 1943، وفي صفحة 42 ما يلي: “لقد صُلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد. وقبل تنفيذ الحكم فيه، ولمدة أربعين يوما خرج مناد ينادي: إن (يسوع) سيُقتل لأنه مارس السحر وأغرى إسرائيل على الإرتداد، فعلى من يشاء الدفاع عنه لمصلحته والاستعطاف من أجله أن يتقدم. وإذ لم يتقدم أحد للدفاع من أجله في مساء ليلة الفصح، وهل يجرؤ أحد عن الدفاع عنه؟ ألم يكن مفسدا؟ وقد قيل في الأنبياء إن شخصا مثل هذا: “لا تَسْمَعْ لَهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ وَلا تَرِقَّ لَهُ وَلا تَسْتُرْهُ، بَلْ قَتْلا تَقْتُلُهُ” (تثنية 13: 8 و9).
إذا لم يشك أحد حتى من غير المسيحيين في أن من صلب كان هو يسوع نفسه وليس أي شخص آخر، إلا طائفة الغنوصيين التي – ويا للمصادفة – كانت موجودة ومنتشرة في الجزيرة العربية من قبل محمد! ومن الأمور التي أذهلتني حقا أنه حتى ما ذكر في الأناجيل من إظلام الأرض خلال الفترة التي صلب فيها السيد المسيح من الساعة السادسة وحتى التاسعة (والتي تعني بالتوقيت الحالي من الثانية عشر ظهرا وحتى الثالثة عصرا). هذا الحدث قد تم توثيقه أيضًا من قبل بعض المؤرخين، حوالى سنة 52 م، كتب المؤرخ (ثالوس) تاريخ أمم شرق البحر المتوسط من حرب طروادة حتى هذا التاريخ، هذا المجلد الذى دون فيه التاريخ قد فُقد، ولكن هناك أجزاء من عمله ظلت باقية إلى اليوم في صورة اقتباسات وضعها العديد من المؤرخين في أعمالهم، منهم المؤرخ (يوليوس أفريكانوس) أحد المؤرخين الذى عاش سنة 221 م …، أثناء كلامه عن صلب السيد المسيح والظلام الذى غطى الأرض وجد مصدرا في كتابات ثالوس الذي تعامل مع هذا الحدث الكوني الفريد، يذكر فيها “غطى الظلام العالم بأكمله، والصخور تشققت بفعل زلزال، والعديد من الأماكن في اليهودية (Judea) ومناطق أخرى طرحوا وأندثروا بفعل الزلزال” قد ذكُر هذا في كتاب ثالوث رقم ثلاثة في سلسلة مجلداته التاريخية.
أيضًا، يحدثنا التاريخ في سيرة ديوناسيوس الأريوباغي القاضى، أنه حين حدث كسوف في الشمس وقت صلب السيد المسيح كان ديوناسيوس يدرس في جامعة عين شمس (أحدى الجامعات اليونانية القديمة في مصر) علوم الفلك والهندسة والقانون والطب … إلخ. وهذا هو منهج من يتولى سلطان القاضى وهو أن يكون ملما بجميع العلوم، وحين حدث كسوف الشمس حدث تساؤل.. فكانت الإجابة أن هناك إحتمالا من ثلاث إحتمالات:
1- أن يكون العالم أوشك على النهاية وهذا الكسوف من أحدى الدلالات.
2- أن تكون كل قواعد علم الفلك خاطئة من أساسها.
3- أن يكون إله الكون متألما.
و ظلت هذه الواقعة في ذاكرة ديوناسويس إلى أن بشره القديس بولس في أريوس بأغوس، متأكذا بأن لإحتمال الثالث هو الأوقع والأصح وهو أن يكون إله الكون كان متألما.. لان حادث الكسوف الذى حدث للشمس الذى أستمر ثلاثة ساعات ليس بأمرا عاديا بل هو فوق مقدور البشر وفوق القواعد والتحاليل العلمية.
إذا فقصة الصلب والكسوف الذي حدث وقتها لثلاث ساعات لم تكن مجرد رواية مسيحية خيالية وإنما هناك شهود ومصادر تاريخية من غير المؤمنين المسيحيين وثقت هذه القصة كحدث تاريخي غير العالم نفسه كما غير مصير الكثيرين. كما أن كراهية المسلمين الشديدة لصليب المسيح يفسرها بولس في قوله “فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ” (1 كو 1: 18).
كان هذا الإكتشاف من أهم الدلائل بالنسبة ليَّ على صحة المسيحية وكذب القرآن. فلو لم يكذب القرآن سوى في تلك القضية لتثبت أنه من عند غير الله. وهو ما توصلت إليه من خلال هذا الدليل بالتحديد.