الفصل السادس
المُسلمون بَعد مُحَمد
عادة ما كان الحديث عن أصحاب محمد محاطا بهالة من القداسة والفضيلة. وعادة ما يطلق المسلمون لقب “رضي الله عنه” على أي صحابي، فهؤلاء هم من سبقونا في الإسلام وناصروا النبي ورافقوه وكانوا على استعداد لبذل أموالهم وحتى أرواحهم لنصرة الدين. هذا ما تربينا عليه. انتقاء المواقف الجميلة التي ترسم صورة شديدة القداسة عنهم، وإخفاء الأحداث والمواقف السيئة التي تكشف ما لا يجب كشفه.
وأتذكر في إحدى حلقات الداعية الشهير عمرو خالد أنه أشار للفتنة الكبرى طالبا من المسلمين عدم البحث عما حدث بها أو الاطلاع عما كُتب عنها خوفا من أن تهتز الصورة الجميلة للصحابة الأجلاء! لكن ومع توسعي في القراءات الإسلامية كانت تتكشف أمامي الصورة الحقيقية الصادمة للكثير من الشخصيات الإسلامية التي اعتدنا على تقديسها وتبجيلها. فكلما قرأت في التاريخ الإسلامي ازددت دهشة من الفظائع التي ارتكبها أغلب من يطلق عليهم “العشرة المبشرين بالجنة” وغيرهم من كبار الصحابة. فمطامعهم في السلطة بدأت منذ اللحظة الأولى لوفاة محمد الذي تركه المسلمون لأكثر من يومين دون أن يقوموا بدفنه بسبب اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة واشتعال الصراع والخلاف فيما بينهم بشأن أحقية أي جهة منهم في الخلافة.
فاعتبر المهاجرون أنهم آل النبي وعشيرته وأنهم الأحق بأن تكون الخلافة فيهم، فيما رأي الأنصار أنهم من نصروا النبي وآووه ومن معه من المهاجرين بعد هجرته للمدينة. وبعد صدام كبير مالت فرقة من الأنصار لتأييد تولي أبوبكر للخلافة ثم تبعهم باقي الأنصار، لتظهر مشكلة أخرى حيث غضب علي ابن ابي طالب وعمه العباس ومعهم الزبير ابن العوام من قرار بيعة أبي بكر معتبرين أن عليا هو الأحق بالخلافة كونه ابن عم محمد وزوج ابنته. كما ساند الهاشميين عليا باعتباره منهم. ومن هنا تغلبت مشاعر القبلية العربية على مشاعر الوحدة الدينية، حتى وصل الأمر لانقسام المسلمين إلى فرقتين حتى الآن هما السنة والشيعة حيث بدأ الانقسام فور وفاة محمد على الرغم من رضوخ عليّ فيما بعد لإجماع المسلمين وقيامه ببيعة أبي بكر.
أعلم بالطبع أن هناك من سيقول أن هؤلاء الصحابة هم بشر في النهاية ولهم نقائصهم. لكن ما يروج عنهم دائما من فضائل وزهد في الدنيا يتنافى تماما مع ما حدث منذ اللحظة الأولى لوفاة محمد. وعلى امتداد قرون شهدت الساحات معارك إسلامية راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين فقط نتيجة للنزاع على السلطة. وأنا على يقين من عدم معرفة أغلب المسلمين بما جرى من أحداث الفتنة الكبرى والتي ولابد ستشكل صدمة لكل من يقرأ أو يسمع عنها للمرة الأولى. فالصورة الوردية عن أن المؤمنون كلهم أخوة وبالأخص الصحابة يساند بعضهم بعضا ويمتازون بالإيثار والمحبة والتآخي في الله ستتلاشى تماما عند معرفة الوقائع المريعة التي حدثت.
فبعد تولي عثمان ابن عفان الخلافة بفترة قصيرة قام بعزل أغلب الولاة الذين كان قد عينهم الخليفة السابق له عمر ابن الخطاب وكان مشهودا لهم بالكفاءة. وقام عثمان بتولية العديد من أقرباؤه وأصدقاءه من غير ذي الكفاءة والذين ثار ضدهم الناس وقاموا برفع الشكاوى عما ارتكبوه من مخالفات للخليفة عثمان الذي كان يغدق أيضًا على أقاربه من بيت مال المسلمين وهو ما أثار ضده الكثير من الإنتقادات. حتى أن الصحابي الشهير أبي ذر الغفاري كان يستنكر عطايا عثمان لأقاربه ويتلوا من القرآن: “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَیَأۡكُلُونَ أَمۡوَ ٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَـٰطِلِ وَیَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِینَ یَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ” [التوبة ٣٤] وكان يقول: “ويل للأغنياء من الفقراء”، فضاق به عثمان وقام بنفيه حتى مات.
واشتدت المعارضة على عثمان حتى حاصره الكثير من المعارضين واقتحموا منزله وقاموا بقتله. وعندما تولى علي ابن أبي طالب الخلافة طالبه البعض بضرورة القصاص الفوري من قتلة عثمان وكان على رأسهم طلحة ابن عبيد الله والزبير ابن العوام ومعاوية ابن أبي سفيان وعائشة بنت أبي بكر. ووصل الخلاف إلى خروج جيشان يتقاتلان أمام جمل عائشة التي وقفت في الطرف المناوئ لعلي وحرضت المسلمين على القتال ضده. فلم تنس له مطالبته لمحمد بتطليقها وقت حادثة الإفك. ويقال أنها في أواخر أيامها ندمت على خروجها في تلك الموقعة التي نتج عنها مقتل أكثر من سبعين ألف مسلم.
وأعلم تماما أنه سيقول قائل أن المسيحيين قد تقاتلوا فيما بينهم ربما أكثر من المسلمين وأن الطوائف المسيحية عانت من الفرقة ومن المذابح والتكفير. ولا أنكر ذلك بالطبع لكنني أتحدث عن أتباع المسيح وتلامذته وعن محمد وصحابيه لأن هؤلاء يُفترض بأنهم الصفوة والأكثر تأثرا بتعاليم معلمهم. فتلاميذ السيد المسيح حدثت أيضًا بينهم خلافات كالخلاف الكبير الذي وقع بين بطرس وبولس حول تطبيق شريعة موسى وهو ما أدى لافتراقهما لكن دون تنابز أو تقاتل أو تقسيم للمؤمنين لفريقين يقاتل كلٍ منهما الآخر.
والحقيقة أن مجرد المقارنة بين أتباع السيد المسيح وأتباع محمد تكشف الكثير وتؤكد ما قاله السيد المسيح في خطبة الجبل: “اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينا؟هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارا جَيِّدَة، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارا رَدِيَّة،لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارا رَدِيَّة، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارا جَيِّدَة.كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرا جَيِّدا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. فَإِذا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ” ( متى 7: 15 – 20). ففي كل دين يوجد الصالح والطالح بالطبع لكن العبرة بما يفعله الالتزام بتعاليم هذا الدين. هل يجعل الإنسان أكثر صلاحا ورحمة ومحبة أم أكثر قسوة وبغضة؟
فهناك من الصحابة وعلماء الإسلام ومن عامة المسلمين شخصيات نبيلة تحب الخير وتكن محبة وخشية لله، لكن كم تبلغ نسبتهم بين هؤلاء الذين يمتلئون بالكراهية والتعصب والإدانة للغير؟ في المقابل إقرأ سير القديسين لتعرف معنى الإيمان الحقيقي الذي يجعل صاحبه أكثر نقاء ومحبة حقيقية للغير واستعداد للخدمة وليبذل كل شيء ليس فقط للمؤمنين وإنما للأعداء ولغير المؤمنين حتى وإن كان سيواجه في المقابل الاضطهادات والضيقات التي قد تصل للقتل. فلن يمسك القديس سيفا ليدافع عن نفسه أو حتى عن دينه ولا عن ربه إن تعرض للتجديف والإهانة، بل سيقابل كل ذلك بالسلاح الوحيد الذي تعلمه من سيده وهو على الصليب. سلاح المحبة والغفران الذي جعله يصلي من أجل أعدائه الذين صلبوه وأهانوه واذاقوه كافة أنواع العذابات طالبا لهم المغفرة من أبيه السماوي. “فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا” (لو 23: 34).
وأعود لما حدث بعد وفاة محمد ولابد وأن أتوقف عند حروب الردة بقيادة الخليفة أبوبكر الصديق. فبعد وفاة محمد ظهرت حقيقة إيمان القبائل التي ارتد الكثير منها عن الإسلام. وهو دليل واضح على أن دخولهم في الإسلام لم يكن إلا خوفا من محمد أو طمعا في الانضمام للدين الذي نجح في السيطرة على مكة وإخضاع القبائل له فسارعوا في الدخول في دين الله أفواجا. لكنهم سرعان ما أظهروا نواياهم الحقيقية بعدم الاقتناع بهذا الدين ورفضوا دفع الزكاة لبيت المال معتبرين أنها مجرد إتاوة يجب إلغاؤها وهو ما كان يعني خروجهم عن السلطة الحاكمة. الأمر الذي جعل أبو بكر يصمم قائلا: “لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عقالا لقاتلتهم على منعهم” وكان يقول: “أينقص الدين وأنا حي”. فجهز عددا من الألوية العسكرية بقيادة خالد ابن الوليد وعمرو ابن العاص وعكرمة ابن أبي جهل وخاضوا قتالا موسعا ضد تلك القبائل حتى اضطروا للعودة إلى الإسلام والرضوخ لسلطة أبو بكر بعد مقتل عدد من زعمائهم. ولا أفهم كيف يتفاخر المسلمون بالإبقاء على الناس داخل دين لا يقبلونه ولا يؤمنون به إيمانا حقيقيا فقط خوفا من السيف؟ وهل هناك وصف آخر لذلك سوى الإرهاب؟ أن تجبر أحدا على فعل ما تريد تحت تهديد السلاح! لكن أبوبكر ومن معه كانوا يعلمون جيدا أنهم لو تركوا حركة الردة دون مواجهة فسينتهي الأمر بانتهاء الإسلام في أسرع وقت. وهو ما كان سيحدث بكل تأكيد لولا حروب الردة والتي تبعتها الغزوات التي يطلقون عليها لقب “فتوحات” بقوة السيف وتخيير أهل البلدان إما الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو القتل. فسارع الكثيرون لاعتناق الإسلام خوفا من الأمرين، في حين قرر البعض من المقتدرين دفع الجزية والبقاء على دينهم، واستشهد البعض الآخر رفضا لترك دينه وعدم قدرته المالية على دفع الجزية. فمقولة “الإسلام انتشر بحد السيف” هي أكثر ما يثير غضب المسلمين الذين يسارعون بمجرد سماعهم لها على نفي ما حدث وتأكيد أن كل البلدان التي دخلت في الإسلام سارع أهلها بقبوله عن قناعة تامة.
ولا يمكنني أبدا من باب الأمانة أن أنفي أن هناك من اعتنق الإسلام عن قناعة وإيمان حقيقي وله مطلق الحرية في ذلك. وأعلم أن هناك من سيقول إذا كان الإسلام قد انتشر بالسيف فلماذا يعتنق البعض هذه الأيام الدين الإسلامي رغم عدم وجود حروب أو ضغوطات حتى بات الإسلام يقترب من كونه الدين الأول في العالم من حيث الانتشار؟ والإجابة في رأيي أن هناك من يمتلك صورة شديدة السطحية والسلبية عن الإسلام وعندما يخبرهم أحد ببعض الحقائق “الجيدة” في هذا الدين يتفاجئون ويظنون عند قراءتهم السطحية المبدئية للإسلام أنه الدين الحق المعتدل المليء بالفضائل وبالشريعة السمحة المتكاملة لكنهم لا يطلعون عادة – خاصة في البدايات – على الكثير من الحقائق والنقاط كالتي ذكرتها سابقا فيقرر بعضهم عند معرفتهم فيما بعد بتلك الأمور ترك الإسلام وهو ما رأيته بالفعل قد حدث مع الكثير من الأشخاص ربما بعد سنوات من اعتناقهم للإسلام. لكنهم لن يستطيعوا فعل ذلك بالطبع إلا إذا كانوا يعيشون في مجتمعات غير إسلامية وإلا فستكون تهمة الردة جاهزة في انتظارهم. فاعتناق الإسلام متاح للجميع لكن لا يُسمح لأحد بالخروج منه وإلا فسيكون القتل هو المصير المنتظر إلا ما ندر.
وتنقل كتب التراث عن خالد ابن الوليد أن أبا بكر الصديق وجد في بعض نواحي العرب رجلان يمارسان الشذوذ فاستشار باقي الصحابة فأشار عليه علي ابن طالب بأن يحرقوا بالنار. فاتفقوا على إحراقهم. فكتب أبو بكر إلى خالد أن يحرقوا فأحرقهم ، كما أحرقهم عبد الله ابن الزبير في خلافته ثم حرقهم هشام ابن عبد الملك. ويذكر الطبري أن أبوبكر قام بإحراق شخص يدعى الفجاءة لأنه قام بخداع المسلمين. فأوقد له نارا في مصلى المدينة على حطب كثير ثم رمى به فيها مقموطا. وقيل أن أبا بكر ندم على هذه الفعلة وقال “وددت لو لم أحرق”.
كما روي عن علي ابن أبي طالب أنه أحرق بعض من ادعوا الألوهية وذلك بعد استتابتهم حتى يرجعوا عن قولهم فأبوا. فأمر بحفر حفرة فأضرمت فيها النار ثم أحرقهم فيها. وقد بلغ ذلك ابن عباس فأنكر عليه الحرق للنهي عنه. وقد روى البخاري تلك القصة ونقل عن ابن عباس قوله “لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي قال لا تعذبوا بعذاب الله”. وتتهم العديد من المصادر الإسلامية خالد ابن الوليد أيضًا بأنه قام بإحراق المرتدين حيث أوثقهم وأحرقهم بالنيران وقذفهم بالحجارة ورمى بهم من الجبال ونكسهم في الآبار!! فهل عرفتم الآن المبررات التي استندت عليها داعش عند قيامهم بإحراق الطيار الأردني “معاذ كساسبة” عام 2014 بعد أن سقطت طائرته الحربية على شمالي سوريا أثناء قيامه بمهمة عسكرية على مواقع داعش. وقاموا وقتها بتوثيق جريمتهم وتصويرها بالصوت والصورة ليشهدوا العالم على بشاعة جرائمهم. وتعالت وقتها الأصوات الإسلامية منددة بالجريمة وتبرئة الإسلام من جرائم داعش. لكن ماذا عما فعله هؤلاء الصحابة؟ وهل يمكن إثبات عدم صحة هذه الوقائع في ظل تعددها وذكرها في العديد من المصادر الإسلامية؟
وماذا عن الواقعة البشعة التي ارتكبها محمد نفسه والتي ذكرت في صحيح مسلم عندما قامت مجموعة بسرقة أغنام المسلمين وارتدوا عن الإسلام بعد أن زعموا الإيمان فبلغ ذلك محمدا فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وأحرق أعينهم بالنار ثم تركهم في الصحراء حتى ماتوا !! ولمن يستنكر أن تكون مثل هذه الحوادث البشعة قد حدثت بالفعل من قبل محمد وأتباعه ويحاول إضعافها ونفي صحتها أقول. ألا يتفق ذلك مع ما شرعه القرآن نفسه عندما قال: “إِنَّمَا جَزَ ٰۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَ ٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡیࣱ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَهُمۡ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیمٌ” [المائدة ٣٣]، فليتكم تقرأون فقه الجماعات المسلحة وستكتشفون أن كل ما يرتكبونه من جرائم بشعة له أساس من القرآن أو الأحاديث الصحيحة أو كتب التراث والتاريخ الإسلامي.
هؤلاء هم المسلمون حقا الذين درسوا جيدا هذا الدين واتبعوا تعاليمه بحق وليس عامة المسلمين الوسطيين الذين ينفون عن الإسلام تهمة الإرهاب والوحشية فقط لأنهم لم يقرأوا دينهم جيدا ولم يتوسعوا في دراسته.
فهل تعلم أيها القارئ سبب ظهور الجماعات الإسلامية المسلحة وتاريخ ظهورها؟ السبب هو سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924 وانتهاء الجيش الإسلامي الذي كان منوطا به حمل راية الجهاد واستكمال الفتوحات. فبعدما سقطت الخلافات بدأت جماعات من المسلمين ترى بأن عليها استلام راية الجهاد واستكمال مسيرة الحرب المقدسة ضد غير المؤمنين لأن هذه كانت وصية قرآنهم: “وَقَـٰتِلُوا۟ ٱلۡمُشۡرِكِینَ كَاۤفَّةࣰ كَمَا یُقَـٰتِلُونَكُمۡ كَاۤفَّةࣰۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ” [التوبة ٣٦] كما قال رسولهم: “عن تَميم الداري رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلَامَ، وَذُلّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ”
وأحيانا كنت أظن أن العنف والوحشية مرتبطان بالبيئة العربية القبلية الجافة. لكنني لاحظت أن الأمر غير متعلق بالبيئة بل بتعاليم الإسلام نفسه والدليل أننا سمعنا عن الكثير من الحوادث الإرهابية حول العالم أتى مرتكبيها من خلفيات ثقافية مختلفة لكنهم يتشاركون فقط في الدين. ومنهم مسلمون جدد من أوروبا ومن اندونيسيا وماليزيا وروسيا وغيرها. ونظرة إلى الحركات الإرهابية الأشهر حول العالم الآن تكشف لنا الكثير. فمن داعش العالمية إلى بوكو حرام النيجيرية إلى جماعة أبوسياف في الفلبين والجهاد الإسلامي في مصر سابقا وتنظيم القاعدة وجماعة الشباب الصومالية وتنظيم بيت المقدس وغيرها الكثير والكثير حول العالم. تعددت الأسماء والجنسيات لكن يبقى الفكر الإسلامي واحدا ينجح في ملأ قلوب أتباعه كراهية وظلمة ونارا طالت شرارها أتباعه أنفسهم الذين كفروا بعضهم بعضا وقاتلوا بعضهم البعض بل ووصل الأمر أن قاموا بهدم كعبتهم المقدسة بأيديهم..
ففي عام 64 هجرية قام يزيد ابن معاوية بحصار مكة لتحصن عبد الله ابن الزبير فيها. فحاصروه وقاتلوه ورموه بالمنجنيق، واحترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة وتهدم سقفها . فقام ابن الزبير بعد ذلك بهدمها وإعادة بنائها من جديد. وفي عام 73 هجرية خرج جيش بقيادة الحجاج ابن يوسف لإخضاع أهل مكة لخلافة ابن مروان وأخذوا يرمون بالحجارة والمنجنيق في كل مكان، فأصابت الكعبة فتهدم جزء منها . وفي عام 317 هجرية هاجم القرامطة مكة التي كانت تتبع الخلافة العباسية وانتزعوا الحجر الأسود من الكعبة، كما انتزعوا بابها وارتكبوا أعمالا دموية بشعة فقتلوا من الحجاج حوالي ثلاثين ألفا . وعادوا ومعهم الحجر الأسود ووضعوه في كعبة بديلة في منطقة الإحساء ليحج إليها الناس. وبقي الحال هكذا مدة اثنين وعشرين عاما، حتى هددهم الخليفة العزيز بالله الفاطمي أن يبعث لهم جيشا ليعيد الحجر الأسود. فخافوا وقاموا بإعادته إلى مكة.
وفي عام 1979 وقعت حادثة بشعة بالحرم المكي عندما اقتحم شخص يدعى جهيمان العتيبي وبعض من أتباعه الكعبة وقاموا باحتلالها بعد أن رأى في المنام أنه المهدي المنتظر. وقاموا بإدخال ذخيرة وقنابل انفجرت منهم قنبلة في شخص آخر كان المساند الرئيسي له، حتى نجحت قوات الأمن في القبض عليه، وفض الاعتصام المسلح بالكعبة بعد سقوط العديد من القتلى.
رجوعا إلى حادثة مقتل الحسين ومعركة الخلافة مع يزيد ابن معاوية، يُعد مقتل الحسين حفيد محمد وهي من أبرز الحوادث في التاريخ الإسلامي التي لا زالت آثارها باقية في وجدان المسلمين الذين لا يزالون حتى اليوم يتباكون على مقتل الحسين واعتباره سيد الشهداء لكن كثيرون منهم لا يعلمون السبب وراء مقتله أو من الذي قام بقتله. فهل يعلم المسلمون أن مقتل الحسين جاء نتيجة طمعه في الخلافة؟ فقد رفض مبايعة يزيد ابن معاوية خليفة للمسلمين حيث كان يرى أنه أحق بها كونه حفيد الرسول وابن للخليفة علي بن أبي طالب، وكان الخلاف بينهما قديما بسبب صراعهما على الزواج من امرأة شديدة الجمال كانت تدعى زينب بنت إسحق وكانت زوجة لوالي العراق، حيث وقع يزيد في غرامها فقام والده معاوية بحيلة ليطلقها من زوجها ليتزوج بها ابنه لكنها عندما علمت بذلك رفضت الزواج منه.
وعندما علم الحسين بتلك القصة طلبها للزواج فاختارته لفضله ونسبه كحفيد للرسول وهو ما أثار غيرة وغضب يزيد رغم أنها بعد فترة طلبت الطلاق من الحسين وعادت لزوجها. ثم بعد ذلك جاء أمر خلافة يزيد الذي عمق الصراع بينهما على السلطة. فبعدما أوصى معاوية بمبايعة ابنه يزيد خليفة قبل وفاته رفض أنصار الحسن والحسين البيعة لكن الحسين طلب منهم الهدوء حتى يموت معاوية. إلا أن الحسن قام بالمبايعة وهو ما أغضب الحسين حيث كان يرى ضرورة القتال، ولكنه كظم غيظه وقام بمبايعته لكن أنصاره قاموا بمراسلته طالبين حضوره إلى الكوفة ليبايعوه. فشعر أن هناك رغبة كبيرة من الناس في اختياره. لكن وبحسب ابن كثير فقد حذره الكثيرون من خروجه للكوفة وأمروه بالمقام بمكة وذكروه بما حدث لأخيه وأبيه معهم . لكن طمع السلطة أعمي عينيه وجعله يغامر ليس بحياته وحده بل بحياة أهل بيته أيضًا من نساء وأطفال. فقد تم قطع رأسه وأرسلت نسائه وصبيانه كسبايا ليزيد. وعندما دخلت فاطمة بنت الحسين على يزيد قالت له: “يا يزيد. أبنات رسول الله سبايا؟” لكن بعض الروايات الإسلامية السنية بالطبع تذكر أن يزيد بكى عندما حمل إليه برأس الحسين ونفى أن يكون قد طلب قتله ودعا له بالرحمة! فهل بعد ذلك يعتبر الحسين شهيدا ومغدورا به؟ فإن كان جميع من حوله قد حذروه بأنه سيقتل وبأن في الأمر مكيدة ورغم ذلك صمم على المغامرة بحياته وحياة أهل بيته فيفترض أن يتحمل مسئولية ما حدث.
إن تفاصيل تلك الحادثة وماسبقها من الحوادث التي ذكرتها كانت صادمة بالنسبة لي. فكنت قد اعتدت منذ صغري على رسم صورة وردية للنبي وأصحابه وآل بيته. لكن التفاصيل التي اكتشفتها بعد توسعي في القراءة في الكتب الإسلامية نفسها وليس في الكتب الناقدة للإسلام كشفت عن كم من العنف والدموية ليس فقط من جانب المسلمين ضد أعدائهم وإنما ضد بعضهم البعض. ويشهد على ذلك كم الحروب والصراعات والاغتيالات في التاريخ الإسلامي بين صحابة محمد، وحوادث اغتيال الأخ لأخيه والابن لأبيه طمعا في السلطة. حتى الحسين حفيد محمد نفسه قُتل نتيجة أطماعه في السلطة ورغم ذلك لا يزال المسلمون يتباكون عليه حتى اليوم ويعذب الشيعة أنفسهم ضربا بالجنازير في ذكرى مقتله يوم عاشوراء! فبمن يقتدي المسلمون؟ وكيف لهم أن يحبوا بعضهم البعض بل وأن يحسنوا معاملة غيرهم إن كان تاريخهم ومُثُلهم العليا على هذا القدر من الدموية؟
ولكن ورغم كل ما سبق فلابد وأن أعترف أن بالإسلام الكثير من التعاليم الحسنة وأنني اكتسبت الكثير من السلوكيات الجيدة فترة إيماني به والتي بقيت معي حتى الآن. فالاعتراف بالحق فضيلة. وأنا أنزعج بالفعل ممن لا يجدون في الإسلام شيئا حسنا، ويقومون فقط بالهجوم الدائم وكأن الإسلام لا يحتوي على أية أخلاقيات حسنة. فالإسلام دين متكامل ينظم شؤون حياة أفراده ويهتم حتى بأدق تفاصيل الحياة والمعاملات حيث يضع تشريعا لكل شيء. ويؤمن بالقيامة والحساب والجنة والنار وتحريم الزنا والسرقة والكذب والحث على بر الوالدين وصلة الرحم وإكرام الفقراء والتصدق والصلاة والصوم والبعد عن الغيبة والنميمة.
لكن مهلا. ألا توجد نفس هذه المحرمات في الأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية؟ بل وحتى الكثير من الديانات الأرضية كالبوذية والكونفوشيوسية والبهائية التي تذخر بالفضائل وتحث أتباعها على الأخلاق الحسنة لكنها لا تأمرهم بقتال غير المؤمنين بدينهم أو قتل من يرفض اتباعهم.
وهنا سيرد على البعض. وماذا عن الحروب الصليبية والحروب التي شنها أصحاب الديانات المختلفة على بعضهم البعض وعلى المسلمين؟ والإجابة أن هذا حدث بالطبع والتاريخ يزخر بالحروب التي استغل من قام بها الشعارات الدينية لمهاجمة الآخرين. لكن الفيصل هو الأساس الديني الذي تستند إليه هذه الحروب. فهل توجد لديهم نصوص دينية الموجودة في الإسلام التي تُبيح القتل واستخدام السيف واستباحة النساء والأموال؟ أعلم أيضًا أن هناك من سيقول بأن التوراة مليئة بالحروب، لكن ما توصلت إليه بالبحث أن ذلك حدث لفترة معينة ولعهد معين ثم جاء السيد المسيح بمبدأ “كل من يأخذ السيف بالسيف يهلك” ومبدأ محبة الأعداء ومن ضربك على خدك الأيمن فأدر له الآخر أيضًا. وألغى تماما مبدأ القصاص. فلا يوجد أساس مسيحي واحد يبرر القتال ولو حتى دفاعا عن النفس. وهناك الكثيرون ممن استشهدوا في المسيحية لم يحاولوا أبدا الدفاع عن أنفسهم أو الانتقام لشهدائهم. ومن فعل ذلك كان من منطلق متعصب وبحثا عن مكاسب ومنافع دنيوية بحتة. ولهذا اعتذرت الكنيسة الكاثوليكية قبل سنوات عن الحروب الصليبية. لكننا مع الأسف بشر ويغلب على الكثير منا الانجذاب للشهوات والمطامع الدنيوية. وليس كل من ولد مسيحيا سيعترف به السيد المسيح الذي قال: “لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَة؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!” (مت 7: 21، 22، 23).
فالمشكلة إذن ليست في أن الإسلام يخلو من التعاليم الحسنة أو الفضائل الطيبة وإنما المشكلة في التناقضات الموجودة والعنف الذي أسفر عن وقوع ملايين القتلى على مدار الأربعة عشر قرنا الماضية وفي عصرنا الحالي في ظل أساس قوي من التشريع الديني. إلى جانب صناعة الكراهية والتعصب الأعمى ضد غير المسلمين الذين عانوا أشد المعاناة خاصة من اضطروا للعيش تحت الحكم الإسلامي. وهنا أيضًا لابد من الإعتراف والتأكيد على أن ليس كل المسلمين إرهابيين أو متوحشين أو مستعدين للقتل بل على العكس فالكثير من المسلمين خاصة في عصرنا هذا يلجأون للتفاسير الحديثة ولواقع العصر ويعتبرون أن الإرهاب لا يمثل الإسلام. والغالبية تُحسن معاملة غير المسلمين ويحرصون حتى على تهنئتهم بأعيادهم رغم وجود العديد من الفتاوى التي تحرم ذلك . لكن المشكلة من وجهة نظري تكمن في كل النقاط التي ذكرتها في هذا الكتاب والتي جعلتني على يقين من أن محمدا لم يكن نبيا موحى له من قبل الله. وهذه قناعتي الشخصية التي أنا على استعداد للموت في أية لحظة لألاقي الله وأنا على إيماني بها. وحتى وإن كنت لم أعتنق المسيحية فكنت حتما سأترك الإسلام بسبب كل ما عرفته. لكنني أحمد الله كثيرا أنه لم يمر علي وقت كنت فيه لا دينية أو وصلت للإلحاد أو التشكيك في الله رغم أنني لا أنكر أن من حق أي أحد أن يشك في أي شيء وكل شيء حتى في وجود الله نفسه ويسعى لكي يصل إلى اليقين حتى يكون إيمانه عن قناعة تامة وليس عن خوف أو اتباع عادات وتقاليد ونظام مجتمعي لأن هذا ما يريده الله منا. لهذا سيُحَاسب كل منا بمفرده أمام الله وليس مع والديه أو مع زوجه. فلكل منا عقله ورحلته الخاصة للوصول إلى الله والأهم من استخدام العقل هو الدعاء بأن يرشدنا الله إلى الحق لأنه وحده من يعلمه ووحده القادر على هدايتنا وإنارة أبصارنا. فالكل يعتقد نفسه على الحق لكن وحده الله من يعلم. “اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ” (مت7: 7، 8) “وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ” (يو 8: 32).