كيف يكون المسيح هو الله وإنسان في نفس الوقت؟

سؤال.. كثيرًا ما يُطرح في حوارات بين المسيحي والمسلم: كيف يجتمع في شخصٍ واحد الطبيعة البشرية والإلهية؟ أليس الجمع بين الإلهي والبشري ضربًا من التناقض؟ ولكن، ما يبدو في الوهلة الأولى لغزًا، هو في الحقيقة أعظم إعلان عن محبة الله وعدله في آنٍ واحد.

الله الذي اقترب

في الفكر المسيحي، الله ليس فكرة بعيدة، ولا سلطانًا يجلس في الأعالي يتفرج على ضعف البشر. بل هو الإله الذي اقترب، الإله الذي انحنى ليرفع الإنسان. فحين نقول إن المسيح هو “الله الظاهر في الجسد” (تيموثاوس الأولى 3 :16)، فنحن لا نقول إن الله تغيّر، بل إنه أظهر ذاته في صورة يستطيع الإنسان أن يفهمها ويلمسها. فالذي كان في البدء عند الله، الكلمة، صار جسدًا وسكن بيننا (يوحنا 1 :14). هكذا أشرق اللاهوت في ناسوت المسيح دون أن ينتقص من ألوهيته شيء.

الإنسان الكامل والإله الكامل

يقول الآباء إن المسيح هو إلهٌ كامل وإنسانٌ كامل، ليس نصف إله ونصف إنسان، بل كمال اللاهوت اتحد بكمال الناسوت. لم يبتلع اللاهوت الجسد كما تبتلع النار الهشيم، ولم يذُب الناسوت في اللاهوت كما تذوب قطرة في البحر، بل اتحدا بغير اختلاط ولا انفصال. هكذا صار المسيح الجسر بين السماء والأرض، الواسطة التي أعادت الإنسان إلى حضن أبيه السماوي.

لماذا هذا الاتحاد؟

في الفكر الإسلامي، الله رحيم غفور، والمغفرة تتحقق بالتوبة. لكن المسيحية ترى أن الخطية ليست فقط خطأ يُغفر، بل جرحٌ في طبيعة الإنسان يحتاج إلى شفاء. ولهذا، لم يأتِ المسيح ليقدّم مجرد عفوٍ من الخارج، بل ليُصلِح الداخل، ليُجدّد الإنسان من جذوره. فالاتحاد بين اللاهوت والناسوت هو الدواء الإلهي للطبيعة الجريحة. كما يقول القديس أثناسيوس: “صار ابن الله إنسانًا لكي يصير الإنسان ابنًا لله.” هكذا لم يكن الصليب تناقضًا مع محبة الله، بل تتويجًا لها، لأن المحبة الحقيقية لا تكتفي بالتعاطف، بل تدخل إلى الألم لتفتديه.

الرد على الحيرة: هل الله يموت؟

يسأل المسلم: كيف يموت الله؟
والجواب: الله في جوهره لا يموت. لكن في المسيح، الله لبس جسدًا قابلاً للموت، لكي يُميت الموت نفسه.
فالموت لم يبتلع اللاهوت، بل اللاهوت هو الذي غلب الموت.
كما يقول أحد الآباء: “دخل إلى الموت كما تدخل النار إلى الحديد، فلم يحترق الحديد، بل صار متقدًا.”
وهكذا صار الصليب ليس علامة ضعف، بل مجدًا للقوة الإلهية التي حوّلت العار إلى خلاص.

المحبة التي تتجسد

حين نفكر في التجسد، لا نراه كفكرة فلسفية بل كفعل حب. الإله الذي خلق الإنسان على صورته لم يرضَ أن يرى صورته مكسورة، فاختار أن يدخل إلى عالمه، يحمل طينه وضعفه، ليجدّده من الداخل. المسيح لم يأتِ ليُرينا الله من بعيد، بل ليضع يده على أكتافنا ويقول: “تعالوا إليّ.” فيه نرى أن القداسة لا تنفصل عن القرب، والسموّ لا يُلغي الاتضاع.

نحو أرض مشتركة

في الإسلام، يُقال إن الله هو “الأقرب من حبل الوريد”، والمسيحية تقول: “والكلمة صار جسدًا وسكن بيننا.” في كلا الفكرين، الله قريب، ولكن في المسيح نرى هذا الاقتراب عملية مجسَّدة، نلمسها ونسمعها ونراها تمشي على الأرض. إنه تجسد الرحمة الإلهية، التي لم تكتفِ بالوعد بل صارت واقعًا في شخص المسيح.
لذلك نقول أن الاتحاد الإلهي– الإنساني ليس لغزًا للعقل بقدر ما هو سرّ للقلب. من ينظر إلى المسيح بعين الإيمان، يرى فيه وجه الله الذي أحبّ، ووجه الإنسان الذي أطاع حتى الموت. فيه السماء احتضنت الأرض، والقداسة قبّلت الضعف، والعدل التقى بالرحمة. ومن هناك، من على الصليب، انطلقت أغنية الفداء التي لا تزال تدوي في القلوب حتى اليوم: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.” (يوحنا 3 :16)