هل تختلف شخصية الله بين العهد القديم والعهد الجديد؟

قد ترى أن الله في العهد القديم ” التوراة ” مشاهد للحروب والعدل والحزم، بينما في العهد الجديد “الإنجيل” نرى الرحمة والمحبة والغفران؟
هل تغيّر الله بين العهدين؟
الجواب البسيط والواضح: الله لم يتغيّر أبدًا، بل الذي تغيّر هو العهد وطريقة إعلان الله عن نفسه بحسب فهم الإنسان ونضجه عبر العصور

الله واحد وشخصيته ثابتة

يقول الكتاب:
«هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ… عَهْدًا جَدِيدًا» (إرميا 31: 31–34).

الله في العهد القديم هو نفسه في العهد الجديد، صفاته واحدة:

ـ محب ورحيم: “لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ” (مز 63:3).
ـ عادل وقدوس: “قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ” (إش 6:3).
ـ أمين وحافظ العهد والرحمة.

الاختلاف لا يكمن في شخصية الله، بل في الطريقة التي تعامل بها مع الإنسان بحسب العهد والمرحلة.

أفعال الله في العهد القديم وأفعال الله في العهد الجديد:

في العهد القديم، تعامل الله مع شعب صغير وسط أمم وثنية، وكان لابد أن يعلّمهم القداسة والانفصال عن الشر. لذلك رأينا مواقف مثل الطوفان وسَدُوم وعمورة وتحريم أريحا.
لكن هذه المواقف كانت استثناءات تاريخية محددة وليست طبيعة الله.
فحتى في وسط العدل والحزم، نجد في العهد القديم آيات كثيرة عن رحمة الله ومحبته، مثل قوله:
“مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ.” (إر 31:3).

إذن الله لم يتغيّر، لكن فهم الإنسان له كان ينمو تدريجيًا، وكلما اقترب الإنسان من الله، أدرك عمق محبته أكثر.

تغيّر مفاهيم الإنسان عبر الزمن

من الأمثلة الواضحة على تطوّر فهم الإنسان لإرادة الله: مفهوم الزواج.
منذ البدء، قصد الله أن يكون الزواج بين رجل وامرأة واحدة:

“يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويصيران جسدًا واحدًا.” (تك 2:24).

لكن مع مرور الوقت، وتحت تأثير المجتمعات المحيطة، انحرف الإنسان عن هذا القصد، فظهر التعدد في أزمنة مثل يعقوب وسليمان، رغم أنه لم يكن بحسب مشيئة الله
المسيح وضّح هذا بوضوح:
“موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا.” (مت 19:8).

وهكذا نرى أن الله لم يتغيّر، بل الإنسان هو من غيّر طريقته وفهمه لوصايا الله.

ما المقصود بتغيّر العهد بين الله والبشر؟

ـ العهد القديم كان عهد الناموس والذبائح، بينما العهد الجديد هو عهد النعمة والفداء.
في القديم، كان الإنسان مطالبًا بحفظ الناموس وتقديم الذبائح، لكن الناموس كشف ضعفه واحتياجه إلى مخلّص.

“فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا.” (تك 15:6).

ـ العهد الجديد، تحقّق الوعد بمجيء المسيح:
“هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.” (يو 1:29).

فقد انتهت الذبائح الحيوانية، لأن المسيح قدّم نفسه ذبيحة كاملة، فصار الدخول إلى الله من خلال الإيمان والفداء وليس من خلال الطقوس.
ومعنى قول المسيح: “ما جئت لأنقض بل لأكمل”
قال يسوع:
“لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.” (مت 5:17).

لم يأتِ المسيح ليكسر الناموس، بل ليتمّمه ويُحققه.
فهو البار الكامل الذي عاش بلا خطية، وأكمل كل ما يطلبه الناموس من قداسة وعدل.
ولهذا قال بولس الرسول:
“إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا… مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ.” (كو 2:14).

في العهد الجديد، صارت الذبائح روحية لا مادية:

“ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ.” (مز 51:17).
“فَلْنُقَدِّمْ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ.” (عب 13:15).

الله في العهد القديم هو نفسه في العهد الجديد: إله واحد محب، عادل، قدوس، وأمين.
لكن طريقة إعلانه عن ذاته تغيّرت بحسب نضوج الإنسان وفهمه الروحي.
فالعهد القديم كان تهيئة وتمهيدًا للمسيح، والعهد الجديد هو تحقيق هذا الوعد الأبدي.
لقد انتقلنا من الناموس إلى النعمة، ومن الرموز إلى الحقيقة، ومن الذبائح المؤقتة إلى الفداء الكامل في يسوع المسيح، الذي أعلن قلب الله بوضوح:
“هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد.” (يو 3:16).