إن كان المسيح هو الله، ومات على الصليب… فمن كان يدير الكون ؟!

 

كثيرون يظنون أن موت المسيح يعني غياب الله أو توقف قدرته عن العمل، وكأن الكون ترك بلا قائد لوقت ، لكن هل حقًا هذا ما يؤمن به المسيحيون؟

المسيحية تعلن أن الله لا يتوقف عن عمله أبدًا، وأن موت المسيح على الصليب لم يكن نهاية وجود الله، بل إعلان محبته العظيمة وفداءه للبشرية.
السؤال هنا يأتي من تصوّر بسيط: أن المسيح بما أنه هو الله، فلما مات على الصليب فيكون الله نفسه قد مات، والكون أصبح من غير مدبر! لكن المسيحية لا تقول إن الله “يموت” بمعنى يزول أو يتعطل. بل تؤكد أن المسيح مات بالجسد، أي بناسوته البشري، أما لاهوته (ألوهيته) فلا يموت ولا يتأثر.

المسيحية تعلن أن يسوع المسيح هو كلمة الله الذي كان موجودًا منذ الأزل، وبه خُلق كل شيء (يوحنا 1: 1–3).
هذا الكلمة الأزلي أخذ جسدًا حقيقيًا وصار إنسانًا كاملًا مثلنا، لكنه في الوقت نفسه ظلّ هو الله الكامل أي أننا في شخص المسيح نرى اتحاد اللاهوت (الإله) بالناسوت (الجسد): طبيعتان كاملتان، إلهية وبشرية، اجتمعتا في شخص واحد.
وعندما نتحدث عن موت المسيح، فنحن نقصد أن الناسوت هو الذي مات ، جسده البشري هو الذي صُلِب، ونفسه الإنسانية هي التي فارقت الجسد. أما لاهوته فلم يتأثر بالموت، فاللاهوت لا يموت ولا يُسجن في قبر.

وهذا سرّ عظيم في الإيمان المسيحي: أن الله لم يبتعد عن الكون لحظة واحدة، بل ظلّ حاضرًا بقوة في كل مكان، حتى حينما كان المسيح على الصليب.

حينما نتأمل سر الصليب، نفهم أولًا أن الله غير محدود وجود المسيح بالجسد على الأرض لا يعني أن لاهوته كان محصورًا في جسده، بل هو حاضر في كل مكان، ويضبط الكون كله في كل لحظة. لذلك، موت المسيح بالجسد لم يكن غيابًا لله عن الكون

كما أن الموت لم يغيّر طبيعة الله ما جرى على الصليب هو أن جسد المسيح ذاق الموت، أما لاهوته فظلّ حيًا لا يتبدّل ولا يتغيّر.
الله بطبيعته سرمدي وأزلي، لا يخضع للفناء.

ثم إن الصليب لم يكن حادثًا عابرًا، بل جزء من خطة إلهية أزلية منذ القديم أعلن الله عن الفداء بطرق ورموز كثيرة، حتى جاء ملء الزمان وتمّت الخطة في شخص المسيح. والله الذي دبّر هذا الخلاص منذ الأزل، لم يكن ممكنًا أن يتوقف عن عمله وقت التنفيذ. بل بالعكس، كان يعمل أقوى ما يكون.

وقد أدركت الكنيسة الأولى هذا الأمر جيدًا، فالتلاميذ الذين شاهدوا موت المسيح لم يروه كغياب لله، بل كإعلان لمجده. لذلك بشّروا بالإنجيل بكل قوة، وأعلنوا أن الصليب هو انتصار لا هزيمة.

ومن المهم أن نتذكر دائمًا الفرق بين اللاهوت والناسوت. المسيح ليس جزءًا من الله انفصل، بل هو الله المتجسّد. لذلك موته بناسوته لم يعنِ أبدًا أن الله توقف عن قيادة العالم، بل ظلّ اللاهوت حيًا وفاعلًا، فيما كان الجسد يذوق الموت لأجل خلاصنا.

الصليب كان موت في نظر الناس، لكنه في نفس الوقت كان حياة جديدة للعالم كله… فمَن الذي يقدر أن يحوّل الموت إلى حياة غير الله ؟!