الفصل الخامس
الأخطاء العلمية والتاريخية واللُغوية في القرآن
أما القضية الأخطر من وجهة نظري فهي وجود أخطاء لغوية وعلمية وتاريخية في القرآن. وهي القضية الأولى التي أصابتني بصدمة حقيقية ولن أتمكن هنا بالطبع من سرد كافة الأخطاء تفصيليا. فدائما ما يذكرون الآية الشهيرة: “أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَیۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِیهِ ٱخۡتِلَـٰفࣰا كَثِیرࣰا” [النساء ٨٢] باعتبارها دليلا يُفحمون به أعداء الإسلام. لكن المشكلة أن ظهر بالفعل ما يثبت وجود أخطاء فادحة. وسأحاول ذكر بعض ما أطلعت عليه ووجدته منطقيا. يدعي البعض وجود إعجاز علمي في القرآن، لكن الواقع أن هناك الكثير من الأخطاء التي أثبتها العلم الحديث. وسأتوقف عند ما يتشدق به الكثيرون من أن القرآن استطاع قبل ألف وأربعمائة سنة أن يصل لمراحل تكوين الجنين. فماذا يقول الإسلام؟ “ثُمَّ جَعَلۡنَـٰهُ نُطۡفَةࣰ فِی قَرَارࣲ مَّكِینࣲ ١٣ ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةࣰ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَـٰمࣰا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَـٰمَ لَحۡمࣰا ثُمَّ أَنشَأۡنَـٰهُ خَلۡقا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَـٰلِقِینَ١٤” [المؤمنون ١٣-١٤]
ويقول محمد: “إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْما، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَة مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَة مِثْلَ ذلكَ، … ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ”.[1] وفي حديث آخر: “إذا مرَّ بالنطفةِ اثنتانِ وأربعون ليلة، بعث اللهُ إليها ملكا فصوَّرها، وخلق سمعَها وبصرَها، وجلدَها ولحمَها وعظامَها، ثم قال: يا ربِّ أَذكرٌ أم أُنثى؟ فيقضي ربُّك ما شاء[2]“. لكن العلم الحديث ينفي ذلك، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن النطفة تعيش اثنتان وسبعون ساعة بجسم المرأة كحد أقصى. ويتحدد جنس الجنين في لحظة التلقيح. وفي اليوم التاسع يبدأ اللحم بالتشكل عندما تلتحم البويضة الملقحة بجدار الرحم وتبدأ بامتصاص الغذاء. وفي اليوم الحادي والعشرين يظهر الجنين، ويبدأ تكون السمع والبصر والعينين والعظام في اليوم الثامن والعشرين. إذا، ينفي العلم تكون العظام قبل اللحم. وقد يقول قائل ومن أين إذا أتى محمد في هذا العصر القديم وفي تلك البيئة الصحراوية بمثل هذا الكلام العلمي؟
والمفاجأة التي اكتشفتها أن ما أتى به محمد لم يكن فلتة من فلتات عصره ولا معجزة مبهرة لمن حوله وقتها لأنه ببساطة كان هناك علماء في اليونان في ذلك الوقت. وتحدث كتاب يوناني[3] عن كيفية تكون الجنين داخل بطن أمه بشكل نظري افتراضي بالطبع حيث لم تكن هناك أدوات علمية متقدمة تتيح الوصول لمعلومات تشريحية دقيقة، وإنما كان هناك تصور من جانب هذا العالم اليوناني في كتابه الذي تمت ترجمته في ذلك الوقت للغة العربية ووصل إلى شبه الجزيرة العربية ومن المؤكد أن محمدا اطلع عليه بشكل أو بآخر واستقى منه هذه المعلومات. والدليل أنها تطابقت تماما مع ما جاء به هذا العالم. ولم تعتبر الكتب الإسلامية وقتها أنه قد أتى بكشف علمي فريد أو أن أحدا انبهر بما جاء به من معلومات علمية في القرآن. ولم يظهر مصطلح الإعجاز العلمي إلا في السنوات الأخيرة ردا على الإنتقادات المتزايدة للقرآن وكشف الكثير من الأخطاء والتناقضات به.[4]
وهناك أيضًا الآية التي تقول: “وَإِنَّ لَكُمۡ فِی ٱلۡأَنۡعَـٰمِ لَعِبۡرَةࣰۖ نُّسۡقِیكُم مِّمَّا فِی بُطُونِهِۦ مِنۢ بَیۡنِ فَرۡثࣲ وَدَمࣲ لَّبَنا خَالِصࣰا سَاۤىِٕغࣰا لِّلشَّـٰرِبِینَ” [النحل ٦٦]، فهل يجيء اللبن من بين الفرث والدم؟ وفي سورة النحل تحدث القرآن عن أن النحل “ثُمَّ كُلِی مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِ فَٱسۡلُكِی سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلࣰاۚ یَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰنُهُۥ فِیهِ شِفَاۤءࣱ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ” [النحل ٦٩]، فهل يخرج العسل من بطن النحل؟ وآية: “أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَیۡفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوۡ شَاۤءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنࣰا ثُمَّ جَعَلۡنَا ٱلشَّمۡسَ عَلَیۡهِ دَلِیلࣰا” [الفرقان45] فهل تتحرك الشمس لتدل على الظل؟ ففي الواقع إن دوران الأرض هو الذي يطيل الظل أو يقصره. وتصور القرآن لإنبساط الأرض في عدة آيات:
“وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ” (الغاشية٢٠) و”وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ (الإنشقاق٣)” و”وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا” (النازعات ٣٠) و”وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا (الشمس ٦)”. وقد لا تصدقون أن هناك الكثير من المواقع الإسلامية التي تؤكد عدم جواز التصديق بكروية الأرض كونها تخالف القرآن، ويعتبرون أن هذه أكاذيب أعداء الإسلام وهدفها هدم ثوابت القرآن والنيل من مصداقيته. وأن على المسلم الحقيقي عدم تصديق هذه الأكاذيب لأن الأرض كما جاء في القرآن منبسطة وليست كروية! وهناك آية شهيرة لا أدري كيف لا يتوقف عندها المسلمون ويتفكرون فيما جاء بها من سذاجة مفرطة وهي الموجودة في سورة الكهف واعتاد الكثيرون – وكنت واحدة منهم – قراءة هذه السورة تحديدا كل يوم الجمعة دون تفكر: “وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِی ٱلۡقَرۡنَیۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَیۡنَـٰهُ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ سَبَبࣰا فَأَتۡبَعَ سَبَبا” [الكهف ٨٣-٨٥] وقد اتفقت رؤية المفسرين على أن ذي القرنين شهد بالفعل غروب الشمس في بئر ماء حارة أو مليئة بالطين! ويحاول العلماء المعاصرون الخروج من هذا المأزق بلي عنق الآية وافتراض أن المقصود هو أنه “رآها” فقط، لكن الآية تؤكد بشكل صريح أنه “وجدها”. فلو كان الأمر مجرد رؤيته للغروب كأي شخص عادي فما الداعي لذكر ذلك في آية قرآنية كحدث جلل؟ ولنقرأ أيضًا من صحيح البخاري الحديث الشهير عندما سأل محمدا أبا ذر الغفاري[5]: كُنْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقالَ: يا أبَا ذَرٍّ أتَدْرِي أيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّهَا تَذْهَبُ حتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذلكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ)[6] فهل زوده الله بمعلومات خاطئة؟ أم تطوع هو بنفسه ليقدم المعلومة التي عجز الجميع عن معرفتها بشأن المكان الذي تختبئ فيه الشمس بعد غروبها ليؤكد أنها تبقى في وضع السجود تحت العرش انتظارا لاستكمال عملها في اليوم التالي! وعندما تحاول البحث عن ردود منطقية على ما جاء في مثل هذه الآيات والأحاديث ستجد تبريرات تزيد الطين بلة ولا تقدم أي تفسير منطقي لهذه الهرطقات. فقط مجرد الدفاع عما جاء في القرآن والأحاديث بشكل مُطلق وإن خالف العلم الحديث فيكون من باب أولى تكذيب العلم واعتبار العلماء مدلسون يهدفون للنيل من الإسلام وإعجازاته العلمية الخارقة!
ومن أبرز الكتب التي تناولت بالتفصيل كشف الأخطاء العلمية في القرآن هو كتاب العالم الدكتور وليم كامبل “القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم” والذي يذكر تفصيليا وبالأدلة العلمية تلك الأخطاء التي لن يتسع المجال لذكرها كلها هنا.
وإذا انتقلنا للأخطاء التاريخية فأول ما لفت انتباهي أثناء قراءتي للعهد القديم ما ذكر عن أخت موسى وهي مريم النبية التي وصفتها التوراة أيضًا بأخت هارون وهي ابنة عمرام ويوكابد. فمن الواضح تماما خلط القرآن بين مريم أخت موسى وهارون ومريم أم السيد المسيح، لأن القرآن تحدث عن أم المسيح قائلا: “وَمَرۡیَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَ ٰنَ ٱلَّتِیۤ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا فَنَفَخۡنَا فِیهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتۡ بِكَلِمَـٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَـٰنِتِینَ” [التحريم ١٢] وقال عنها أيضا: “یَـٰۤأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءࣲ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِیࣰّا” [مريم ٢٨]، فكيف وصفها القرآن بأخت هارون وابنة عمران في حين أن مريم أم المسيح لم يكن لها أخ يدعى هارون ولم يكن والدها يدعى عمران بل يواقيم. فهذا الخلط الواضح بين الشخصيتين بسبب تشابه اسميهما “مريم” يؤكد أن محمدا كان مطلعا من قبل على الكتاب المقدس لكن هناك بعض المعلومات قد اختلطت عليه.
كما أن القرآن أخطأ في قصة عبادة العجل ونسب الفعل إلى السامري في حين لم تكن هناك مدينة بعد في ذلك الوقت تسمى السامرة. حيث تذكر التوراة أنه عندما صعد موسى إلى جبل سيناء ليأخذ الشريعة من الله وأبطأ في النزول اجتمع الشعب على هارون وطلبوا منه أن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم لأنهم لا يعلمون ماذا أصاب موسى. ولا يذكر الكتاب أن هارون احتج أو قاوم بل طلب منهم أن ينزعوا أقراط الذهب التي في آذانهم وأخذها منهم وصور بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. فلما رأى هارون ذلك بنى مذبحا أمامه. وعندما نزل موسى ومعه يشوع من الجبل ورأى هذا المنظر استشاط غضبا وألقى بلوحي الشريعة من يديه وكسرهما ثم أحرق العجل بالنار وطحنه ناعما. وأمر بني لاوي فقتلوا نحو ثلاثة آلآف رجل ممن تورطوا في هذا الأمر. كما ضرب الرب الشعب بالوبأ. وقد عاقب الرب هارون فيما بعد بأن حرمه من دخول أرض الموعد.
كما يذكر القرآن أيضًا أن هامان هو وزير فرعون على الرغم من أن هامان كان في بابل وجاء بعد فرعون بنحو ألف سنة بحسب ما ذُكر في الكتاب المقدس. فقصة موسى وحياته وأحداثه ذكرت تفصيليا في التوراة ولم يذكر فيها هامان مطلقا بل ذُكر بعد ذلك باعتباره وزيرا لأحشوريش ملك الفرس.
وأيضًا قصة الخضر ولقاءه بموسى لا وجود لها في التوراة التي لم تغفل أي حدث أو شخصية مهمة التقاها موسى.
أما قصة السيد المسيح في القرآن فتستحق مناقشتها تفصيليا. فالقرآن ذكر أن الملاك جبريل بشر السيدة مريم بأنها ستلد لكنه لم يذكر تفاصيل خطبتها من القديس يوسف النجار وإخبار الملاك له بأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس وزواجه منها تم ليكتمل الحمل بشكل طبيعي ويبدو أمام الناس أن الحمل جاء نتيجة زواجها، لأن اليهود لو كانوا قد اكتشفوا حمل مريم بدون زواج فكانوا سيرجمونها على الفور بتهمة الزنا وليس كما ادعى القرآن أنها حملت وعاشت وحدها وعندما جاءتها ساعة الولادة ولدت تحت نخلة وناداها المسيح من تحتها طالبا منها أن تهز بجذع النخلة لتسقط عليها التمر لتتغذى منه! فهل تستطيع امرأة وضعت طفلها وحدها للتو أن تهز بجذع النخلة وهي في حالة التعب والنفاس! ثم إذا كان المسيح قد تحدث في المهد كما ادعى القرآن فلماذا لم تذكر تلك الحادثة الهامة في أي إنجيل؟ فإن كان قد تكلم في المهد كان جميع اليهود سيدركون مقامه لأنه لم يسبق لطفل أن تكلم وهو لازال رضيعا وكانت ستتأكد نبوته وسيؤمن به الكثيرون لكن الإنجيل الذي ذكر حياة السيد المسيح ومعجزاته تفصيليا أكد أنه عاش حياة عادية حتى سن الثلاثين، فلم يقم بأية معجزة أو يتحدث عن رسالته سوى بعد ذلك وهو ما جعل الكثيرون يتعجبون من ذلك بقولهم “أليس هذا هو ابن النجار؟ أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا؟” فهذا دليل على أنه لم يذكر أحد أنه سبق وأن تكلم في المهد أو أنه ولد بدون أب وإلا لعلم الجميع بمثل هذه الغرائب. وحتى ولادته المعجزية بدون أب لم يعلم بها أحد سوى بعد قيامة السيد المسيح وبإرشاد الروح القدس تمكن كتبة الأناجيل من معرفة هذا السر الذي لم يكن من الممكن التصريح به أثناء حياة السيد المسيح على الأرض لأنه لم يكن أحد سيصدق ذلك، ولم يكن اليهود سيتركون السيدة مريم تكمل حملها دون زواج ولذلك جاءت مشيئة الله لحمايتها بأن تتزوج بيوسف ويعرف هو وحده السر ويقبل بأن ينسب له الطفل وأن يكون أبا له يربيه ويرعاه حتى يكبر ويأتي موعد رسالته. ولهذا وجدت أن قصة الإنجيل منطقية جدا ومرتبة على عكس القرآن الذي اقتطع أجزاء من القصة كما اقتبس أحداثا غير صحيحة من الكتب المنحولة التي انتشرت عند طوائف النصارى الذين سأشير إليهم بعد قليل. مثل قصة أنه يخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله. فلماذا لم تذكر هذه القصة في الإنجيل الذي ذكر كافة المعجزات تفصيليا؟ لكن إذا عرفنا أن هذه القصة بالتحديد قد ذكرت في إنجيل منحول أي غير معترف به من جموع المسيحيين وكان هذا الإنجيل موجودا فقط في الجزيرة العربية وأن القس ورقة ابن نوفل هو الذي ترجم هذا الإنجيل المنحول. فهنا ربما نستطيع أن نفهم لغزا كبيرا لا يعرفه المسلمون للأسف. فالحقيقة أن النصارى ليسوا هم المسيحيون الحقيقيون وإنما هم الطوائف المبتدعة التي رفضت الأعتراف بقوانين الإيمان وبالإنجيل الكامل الذي تم الإتفاق عليه في المجامع المسيحية وقام البعض باتباع بدع وهرطقات حاربها المسيحيون فاضطرهؤلاء للهروب من الشام إلى شبه الجزيرة العربية واستقروا بها. وعندما كان محمد في رحلة بحثه عن الإله الواحد بعيدا عن معتقدات قريش التقى بورقة ابن نوفل[7] ابن عم زوجته خديجة[8] واطلع على العقيدة النصرانية التي كانت تؤمن بتعاليم الشريعة اليهودية وتلتزم بها ولها أناجيل خاصة بها لا تؤمن ببنوة السيد المسيح للآب ولا بموته على الصليب، وإنما كانوا يؤمنون بأنه عندما رُفع على الصليب شبه لمن كانوا ينظرون إليه أنه مات لكنه لم يمت بالحقيقة. وكان من بين النصارى طائفة تدعى المريميين الذين كانوا يؤلهون السيدة مريم ويضعونها في ثالوث مشترك مع الله والسيد المسيح ومن هنا جاء المفهوم المغلوط عن الثالوث الذي يقول عنه القرآن: “لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةࣲۘ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّاۤ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۚ وَإِن لَّمۡ یَنتَهُوا۟ عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ” [المائدة ٧٣] وفي آية أخرى: “وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ” [المائدة ١١٦]
فكأنما يؤكد القرآن أن كل المسيحيين يؤمنون بثالوث مكون من ثلاثة أشخاص مختلفين هم الله والمسيح ومريم. وهذا إفك واضح لأي شخص يَطّلع على العقيدة المسيحية عن قرب. فالمشكلة أن محمدا اطلع على عقائد النصارى الذين عاشرهم في الجزيرة العربية واستقى منهم معلوماته وتصوراته الخاطئة عن الديانة المسيحية كما نقل عنهم كراهيتهم للمسيحيين الحقيقيين الذين يؤمنون ببنوة السيد المسيح للآب التي أكدها مرارا، وصلبه الحقيقي وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث كما تنبأ هو بنفسه وأخبر تلاميذه أكثر من مرة أنه “قَائِلا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ” (لو 24: 7). وقد أكد تلاميذه وكل من عايش هذه الواقعة صحتها وبأن السيد المسيح تحدث بنفسه أكثر من مرة وهو على الصليب.
وقد قام الإيمان المسيحي منذ بدايته على تلك العقيدة. فكما يقول القديس بولس “فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أيضا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَة وَاحِدَة لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إلى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ” ( كورنثوس الأولى 15: 3- 6 ). فهل عرفتم من أين استقى محمد معلوماته المغلوطة عن المسيحية؟ فلو كان القرآن من عند الله بالفعل فكان سيذكر الحقيقة وليس معتقدات طائفة مهرطقة اندثرت قبل قرون وبقيت المسيحية الحقيقية حتى يومنا هذا وبقي الإنجيل الحقيقي في أيدي المؤمنين ويتداول بكافة اللغات. ورغم ذلك لا يزال المسلمون يصرون على إطلاق لفظ “نصارى” على جموع المسيحيين دون علم بحقيقة هذا المصطلح وأنه لا يعبر عن المسيحيين الحقيقيين ولا عن عقائدهم. ولا زال المسلمون يعتقدون بأن المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة منهم السيدة مريم! ولن يسعني المجال لذكر كافة الأخطاء التاريخية وسأترك لكم المجال للبحث عنها بأنفسكم. وسأنتقل للأخطاء اللغوية.
البعض يعتبر القرآن معجزة لغوية بلاغية تضاهي أي نص كُتب من قبل بتلك اللغة ويتباهى القرآن نفسه بأنه “بلسان عربي مبين” فماذا لو عرفنا أنه مليء بالأخطاء اللغوية؟ فمثلا: “إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ” [الأعراف ٥٦] هكذا كُتبت في القرأن. ولكن ألا يُفترض أن تُكتب هكذا “رحمة” وليست “رحمت”، أيضًا، كلمة “قريب” تعود على “رحمة” فيُفترض أن تُكتب مؤنثة أي “قريبة”.
ولنتناول آية أخرى، “وَقَطَّعۡنَـٰهُمُ ٱثۡنَتَیۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطا أُمَمࣰاۚ …” [الأعراف ١٦٠]. يفترض أن تكون “اثنى” وليست “اثنتي”.
أيضًا، “…قَالَ لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ” [البقرة ١٢٤]. يُفترض أن تُكتب “الظالمون” لأنها في محل نصب فاعل وليست “الظالمين”
“وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَحَقُّ أَن یُرۡضُوهُ إِن كَانُوا۟ مُؤۡمِنِینَ” [التوبة ٦٢]. المفروض أن تُكتب “يرضوهما”
“… لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ” [الغاشية ٢٢] صحتها تُكتب “مسيطر”.
“وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ” [الشورى ١٧ ]. صحتها تُكتب “قريبة”.
|
الفعلي |
بعد التصحيح |
|
“قَالَتۡ إِنِّیۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِیࣰّا ” [مريم ١٨] |
نحن نستعوذ بالله مما نخاف منه وليس من الشخص التقي |
|
“إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ” [المائدة ٦٩] |
الصابئين |
|
“هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ” [الحج ٢٠] |
اختصما |
|
“وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِی خَاضُوۤا۟” [التوبة ٦٩] |
كالذين |
|
“وَقَالُوا۟ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّاۤ أَیَّامࣰا مَّعۡدُودَةࣰۚ” [البقرة ٨٠] |
معدودات مثلما جاءت في [آل عمران ٢٤] |
|
“ٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ وَٱلصَّـٰبِرِینَ” [البقرة ١٧٧] |
الصابرون |
|
“كُن فَیَكُونُ” [البقرة ١١٧] |
فكان |
هذه بعض النماذج من الأخطاء اللغوية الواضحة. هذا بالإضافة لكون القرآن يحتوي على العديد من الكلمات بلغات أخرى لم تكن مفهومة المعنى لدى العرب في ذلك الوقت وحتى الآن واختلف عشرات ومئات المفسرين في فهم معناها الحقيقي! كما دفعت تلك النقطة الكثيرون للهجوم على محمد واتهامه بسرقة القرآن من كتب الأولين وتعاون بعض رجال الدين النصارى معه. ومن بين الألفاظ الأعجمية في القرآن ما يلي:
|
الكلمة |
أصلها |
|
طفقا |
كلمة رومية معناها قصدا. |
|
الرقيم |
كلمة رومية معناها اللوح |
|
هدنا |
عبرية ومعناها تبنا |
|
طه |
عبرانية ومعناها طأ يارجل |
|
سينين |
عبرانية ومعناها حسن |
|
المشكاة |
حبشية ومعناها الكوة |
|
كفلين |
حبشية ومعناها ضعفين |
|
جهنم |
عبرية ومعناها النار |
|
ماعون |
عبرية معناها القدر |
|
سجيل |
فارسية ومعناها الطين المتحجر |
هذه فقط بعض الأمثلة على الكلمات الأعجمية. وأعلم أن البعض سيقول أن اللغات تتأثر ببعضها وأنه في كل لغة توجد كلمات من لغات أخرى لكن من الواضح أن الكثير من الكلمات الأعجمية لم يكن من الدارج استخدامها وجاءت غريبة على مسامع العرب، وهو الأمر الذي نلاحظه مع تضارب وتعدد تفسيرات المفسرين. كما أن إصرار القرآن نفسه على أن يؤكد أنه “بلسان عربي مبين” يبدو وكمن يحاول نفي تهمة. حيث أثارت الكلمات الأعجمية الإنتقادات لمحمد متهمة أياه بسرقتها من الكتب اليهودية والنصرانية خاصة وأن معظم هذه الكلمات هي باللغات العبرية والآرامية والسريانية.
والنقطة الأخرى التي حار المفسرون في فهمها وتُشكل لغزا لمن يقرأ القرآن هي الأحرف المقطعة في بدايات بعض السور مثل: “ألم. حم. ألمر. كهيعص. طسم. ن. ق” هذه الأحرف بالطبع لا تعني أي شيء لقارئها وحار المفسرون في تفسيرها فارجعوا ذلك إلى الإعجاز الموجود في القرآن وأن المعنى عند الله وحده الذي قصد وضع طلاسم لن يتمكن بشر من فهمها لتكون دليلا على صحة القرآن! هذا هو التفسير العبقري لمن لم يتمكنوا من تبرير وتفسير وجود مثل هذه الحروف؟ فما الحكمة من أن يضع الله ألغازا لن يفهمها من يقرأها؟ وماهو الإعجاز في ذلك؟ كما توقفت أيضًا عند قضية نزول القرآن بسبعة أحرف وإذا كانت الأحرف السبعة تعني اللهجات المختلفة للقبائل العربية كما يقولون؟ وهل نزل القرآن ليخاطب القبائل العربية أم يفترض أنه صالح لكل زمان ومكان؟ فاختلاف القراءة والتشكيل يغير معنى الكلمة بأكملها بل والمقصود بالآية ككل وهو ما يُدخل القراء في دوامة متضاربة من التفسيرات. فهل من المنطقي أن ينزل الله الآية وهو يقصد بها أكثر من معنى لكي يثير حيرة المؤمنين؟!
كما أن قضية تنقيط القرآن هي الأخرى لم أجد لها تفسيرا. فقد كان القرآن على أيام محمد خاليا من التنقيط والتشكيل حيث لم يكن العرب يعرفون بعد في ذلك الوقت وضع الحركات والنقاط إلا بعد وفاة محمد بعشرات السنين. وحتى بعد أن جمع أبو بكر القرآن ونسخ في مصحف واحد في عهد عثمان كانت النقاط والتشكيل لم تعرف بعد، فكانوا يقرأونه على الأحرف السبعة وهو ما يجعل كل شخص يفهمه على حسب المعنى الذي يصله من طريقة القراءة! وهذا الأمر خلق بالطبع إشكالية كبيرة. فكيف كانوا يحفظون القرآن بدون تنقيط؟ وكيف نوقن من أن الطريقة التي يُكتب بها القرآن الآن تؤكد المعنى الذي قصده الكاتب بالفعل؟ وفي الحقيقة فإن مثل هذه الإشكاليات لم يكشفها لنا أحد أثناء دراستنا للدين الإسلامي ولا يتحدث بها الوعاظ والدعاة في خطبهم، وأجزم بأن غالبية المسلمين لا يعلمون عنها شيئا، ولا يهتم الكثيرون بالبحث فيما وراء النصوص أو التفاسير فالمهم هو ختم العديد من الأجزاء من القرآن قراءة أو حفظا حرصا على الفوز بالكثير من الحسنات التي ستمكنهم من بناء العديد من القصور الفارهة في الجنة.
والنقطة الأخرى التي استوقفتني كثيرا هي ضرورة أن يقرأ القرآن باللغة العربية. بالطبع هناك ترجمات بالعديد من اللغات لكنها تبقى مجرد ترجمات لمعانيه. أما من يرغب في قراءة وفهم القرآن خاصة بنية التعبد والحصول على الحسنات فعليه أن يفعل ذلك باللغة العربية فقط. فهو “نزل بلسان عربي مبين” ولكن ماذا عن غير العرب؟ وكيف سيتعبد من يدخلون الإسلام بغير اللغة العربية. هل عليهم أن يتعلموا تلك اللغة ليتمكنوا من ممارسة العبادات؟! وهذا ما قادني إلى قضية هامة وهي أن الصلاة لابد وأن تقام كاملة باللغة العربية الفصحى حتى لغير العرب الذين لا يفهمون كلمة مما يقال. فهل من المنطقي أن يطلب الله ممن يصلي له أن يخاطبه بلغة لا يفهمها؟ وكيف يكون هذا نوعا من التواصل؟ ألا تعني كلمة الصلاة “الدعاء” فكيف أدعو ربي وأخاطبه بكلام لا أفهمه وبالتالي لن أعيه أو أشعر به؟ كيف سيكون هناك خشوع في مثل تلك “الصلاة”؟
وما أكد لي هذا المعنى أنني كنت في زيارة أنا ومجموعة من الأشخاص إلى دولة غالبيتها من المسلمين لكنهم لا يتحدثون اللغة العربية، وعندما عرفوا أننا من دولة عربية فوجئت بهم يسألوننا بحماس: “وهل تفهمون الآيات والأدعية التي نقولها أثناء الصلاة؟ لأننا لا نفهم إلا القليل ونقوم فقط بحفظ ما يقال كما هو الحال مع بعض السور القصيرة لنرددها أثناء الصلاة لكننا في الواقع لا ندرك ما نقول. واعتبروا أننا محظوظون لأننا نتكلم نفس لغة القرآن ونستطيع فهم ما يقال أثناء الصلاة. فهل المسألة بالحظ فعلا؟
والأمر الآخر متعلق بالتوقيتات. فمواقيت الصلاة والصيام تختلف بالطبع من بلد لآخر. ففي رمضان تختلف عدد ساعات الصيام بحسب موقع كل بلد وبالتالي نجد أن بعض المسلمين خاصة ممن يعيشون في الدول الإسكندنافية يضطرون للصوم الطويل جدا لفترة تقترب من العشرين ساعة نتيجة طول فترة النهار في بعض الأوقات بشكل كبير في حين يصوم باقي المسلمين عددا أقل بكثير من الساعات وتكون المسافة بين الصيام والسحور طويلة يتمكنون فيها من الأكل والشرب كما يريدون. فما ذنب هؤلاء الذين يعيشون في تلك الدول؟ كما تظهر مشكلة أيضًا عند استطلاع هلال رمضان أو الأعياد الكبرى. حيث تختلف الرؤية من بلد لآخر وهو ما يجعل هناك اختلافا دائما بين المسلمين في بداية الصوم[9] أو الإحتفال بعيد الفطر، وحتى عيد الأضحى المرتبط بالحج يشهد أحيانا خلافات بسبب قضية رؤية الهلال. وهو الأمر الذي لم يفكر به محمد في ذلك الوقت عندما كان المسلمون يتركزون في شبه الجزيرة العربية.
أما قضية الاقتباس من الديانات السابقة. فقد قادني الله للبحث في الديانات الموجودة في الجزيرة العربية وقت ظهور الإسلام وأوصلني لمعلومات لم أكن أعرفها من قبل لكنها كشفت لي الكثير وأضاءت بصيرتي لأفهم حقيقة الإسلام. كانت الديانات الموجودة وقت محمد بخلاف عبادة الأصنام لدى قريش هي الحنيفية التي اعتقد أتباعها أنهم يؤمنون بدين إبراهيم، والصابئة الذين اتبعوا يوحنا المعمدان والنصارى. كانت هذه هي الأديان الأكثر انتشارا إلى جانب اليهودية التي تركزت في يثرب. ومن الواضح أن محمدا منذ صغره كان يكره عبادة الأصنام ويميل إلى عبادة الإله الواحد خالق هذا الكون مما جعله يرفض من داخله عبادة الأصنام التي كانت هي السائدة في قريش، ومن الطبيعي أن يبدأ البحث عن الحق ويرغب في التعرف على الديانات الموجودة في مجتمعه، حيث كانت الكعبة مقرا لالتقاء أصحاب الديانات المختلفة الذين كانوا يحجون إليها ويضع كل منهم رموزهم الدينية بها، حتى قيل إنه كانت هناك أيقونة موضوعة في الكعبة تمثل السيدة مريم وهي تحمل ابنها الطفل يسوع[10]. لكن من يقرأ القرآن بتمعن ويبحث في أحوال الجزيرة العربية وعقائدها وقت ظهور الإسلام سيلاحظ اهتماما خاصا من جانب محمد بالعقيدة الحنيفية التي ينسبها المؤمنون بها إلى النبي إبراهيم. وتظهر السور القرآنية المكية الأولى[11] انتماء محمد إلى الحنيفية بشكل واضح وصريح في العديد من الآيات منها: (ِنِّی وَجَّهۡتُ وَجۡهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِیفࣰاۖ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ) [الأنعام ٧٩]، “قُلۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن دِینِی فَلَاۤ أَعۡبُدُ ٱلَّذِینَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنۡ أَعۡبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُمۡۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَأَنۡ أَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكَ وَلَا یَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذࣰا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ” [يونس ١٠4-١٠٦]، “ثُمَّ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِیمَ حَنِیفࣰاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبۡتُ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَیَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فِیمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ” [النحل ١٢٢-١٢٤]، “وَقَالُوا۟ كُونُوا۟ هُودا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ تَهۡتَدُوا۟ۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ حَنِیفࣰاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ” [البقرة ١٣٥]
فمن الواضح أن الإسلام بدأ كامتداد لما اعتبره محمد دين إبراهيم. وسنرى تأثير ذلك على الشريعة الإسلامية. فقد رفض الأحناف السجود للأصنام وأكل الميتة ولحم الخنزير وماذبح للأنصاب وكانوا يصلون باتجاه أورشليم. كما كانوا يعتكفون في المغاور والبراري وينقطعون للتعبد. وكانوا يطوفون بالكعبة ويحجون إليها. وكان من أبرز أتباع الحنيفية زيد ابن عمرو ابن نفيل. وذكر أنه كان يراقب الشمس فإذا زالت استقبل الكعبة وصلى سجدتين ثم يقول: “هذه قبلة إبراهيم. لا اعبد حجرا ولا أصلي له ولا آكل ما ذبح له ولا استقسم بالأزلام وإنما أصلي لهذا البيت حتى أموت. وكان يحج فيقف بعرفة، وكان يلبي فيقول: لبيك لا شريك لك ولا ند لك. ثم يدفع من عرفة ماشيا وهو يقول: لبيك متعبدا مرقوقا”.
وهنا لابد وأن أشير لأمر غاية في الأهمية لا يعلم عنه أغلب المسلمون أيضًا شيئا للأسف. وهو أن أغلب طقوس الحج كانت موجودة قبل الإسلام عند الوثنيين. فالمسلمون يصرون على أنهم امتداد لليهودية والمسيحية والرسالات السماوية لكننا لا نعرف أيا من هذه الديانات قام بتقديس الكعبة وشد إليها الرحال للحج بل على العكس اقتصرت قدسية الكعبة فقط على العرب خاصة عبدة الأصنام من قريش والأحناف والصابئة، في حين قدس اليهود والمسيحيون أورشليم. فالكعبة في أيام محمد كان يحيط بها 360 صنما[12]. وعندما شرع الإسلام الحج كفريضة طلب من المسلمين أدائها بنفس الطقوس تقريبا التي كان يمارسها بها المشركين من قبل مثل السعي بين الصفا والمروة، والطواف سبع مرات حول الكعبة وحتى رمي الحجارة الصغيرة. وكانوا بعد انتهاء شعائر الحج يقصون شعورهم تعظيما لأصنامهم ثم يذبحون القرابين ويصنعون الولائم. كما كان المشركون يقومون بالتلبية أثناء الطواف قائلين: “لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك”. فقام المسلمون بحذف المقطع الأخير إلا شريك هو لك تملكه وما ملك واستبدلوه بــ “لبيك لا شريك لك لبيك”. فلماذا يتبع الإسلام ممارسات المشركين[13] ويترك تقديس الأماكن التي قدسها أهل الكتاب؟ ولماذا حول القبلة من أورشليم وهي أرض الله المقدسة كما أكدت ذلك كل الكتب التي سبقت الإسلام. إلى الكعبة التي لم يقدسها أي مؤمن حقيقي من قبل؟
وأعود لتأثر الإسلام بباقي الديانات التي كانت موجودة في الجزيرة العربية في ذلك الوقت لأجد أن طائفة الصابئة كانت من أكثر الطوائف والعقائد التي تأثر بها محمد في بداياته. فالصابئة ينتسبون ليوحنا المعمدان ويعتبرون أنفسهم أتباعه الحقيقيين. كما يتبعون آدم وشيت وإدريس ونوح وسام ابن نوح. فلو عرفنا أن الديانة الصابئية[14] لها خمسة أركان هي التوحيد والتعميد والوضوء والصلاة والصيام الكبير والصدقة، وأنهم يؤمنون بأن النبي إدريس عرج به إلى السماء السابعة، وأن القرآن ضمهم لأهل الكتاب ومدحهم بقوله: “إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔینَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ” [البقرة ٦٢] أفلا يثير ذلك أية شكوك حول مقدار التقارب بين الإسلام والصائبة؟
وبعد كل ما سبق ألا يبدو واضحا كل الوضوح تأثر محمد بالديانات التي كانت سائدة في مجتمعه واطلاعه على كافة الكتب المقدسة أثناء بحثه عن الإله الحق؟ حتى لو كان أميا كما يقولون لكن من الثابت اختلاطه بالعديد من الشخصيات خاصة أثناء عمله بالتجارة وذهابه إلى الشام وإلى اليمن، واعتزاله بغار حراء كما كان يفعل الأحناف. وعلاقته القوية بورقة ابن نوفل ابن عم زوجته خديجة الذي كان أسقفا لمكة. وهنا سأتوقف تفصيليا عند قصة بداية رسالته وتفاصيل ما ظنه بالوحي السماوي وما كان يحدث له عند لقاء جبريل.
أيضًا، يُنسب لورقة ابن نوفل – الذي كان ينتمي للنصارى وليس للمسيحيين – ترجمة ما يسمى بإنجيل الطفولة من اللغة العبرية إلى اللغة العربية، وهو الإنجيل الوحيد الذي تحدث عن طفولة السيد المسيح وذكر قصة تحدثه في المهد والتي لم تذكر في أي إنجيل آخر. وما أثار تعجبي في قصة الوحي. أنه عندما ذهبت خديجة به لإبن عمها ورقة وأخبرته بما حدث معه في الغار أكد لهم نبوة محمد وأن الذي أتاه هو الناموس الأكبر الذي جاء إلى موسى وأنه نبي هذه الأمة. ثم أخبره بأنه سيُؤذى وسيُبتلى وبأنه لو كان لا يزال على قيد الحياة فسوف يسانده ويقاتل معه لكنه رغم ذلك لم يصبح من أتباعه ولا تُعده المصادر الإسلامية من بين من أعلنوا إسلامهم! والغريب ما جاء في حديث لعائشة يستوجب التوقف عنده، وهو حديث موجود في صحيح البخاري تقول فيه عائشة: “ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَة، حتَّى حَزِنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ![15]” فما الذي يوحي به كلام عائشة وإلى ما أرادت التلميح؟
وهنا سأعود لقصة لقاءه الأول المفترض مع الملاك جبريل. ففي الكتاب المقدس ربما مئات اللقاءات بين أنبياء الله وبين الملائكة حتى وأن الكثيرون منهم كان يخاطبهم الله مباشرة. وبالطبع كان للموقف هيبة وتوتر لكنه سرعان ما يزول بإعلان الملاك عن هويته وأنه مرسل من قبل الله لكن ما حدث مع محمد أمر يدعو للتفكير بحق. فبحسب الروايات الإسلامية فإن محمدا اعتاد الاعتكاف في غار حراء للتعبد والتأمل في خلق الكون. وعندما كان في الأربعين من عمره أتاه الملاك جبريل على هيئة بشر فدخل عليه فلم يعرفه فقال له إقرأ فأجاب محمد: ما أنا بقارئ “لأنه كان أميا” فقام بضمه ضمة قوية أتعبته ثم كرر ذلك فقال إقرأ، فرد عليه محمد بنفس الإجابة، فكرر سؤاله مرة ثالثة ورد عليه نفس الرد فضمه ضمة أخيرة ثم قال له جبريل: “ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِی خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِی عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مَا لَمۡ یَعۡلَمۡ ٥ كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ ٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰۤ ٨” [العلق ١-٨]. ولم يقل له من هو أو ماذا يريد منه وهو الأمر الذي أثار خوف محمد فذهب راكضا إلى بيته ودخل على زوجته خديجة وهو يرتجف وقال لها: “غطوني غطوني”. فطمأنته وهدأته وأخذت تعدد له خصاله الطيبة لأنه ظن أن من رآه كان شيطانا لكنها قالت له أن الله لا يمكن أن يتركه أبدا بسبب أعماله الصالحة. وأخذته وذهبت به إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل الذي قال له أن من رآه هو الملاك جبريل وأنه نبي وأن ما حدث معه هو نفس ما حدث مع موسى. وهنا تبادرت إلى ذهني العديد من التساؤلات..
من المنطقي أن يخاف أي شخص من ظهور ملاك له حتى لو كان في هيئة بشر لذلك ألم يكن من الطبيعي أن يشرح له جبريل أنه ملاك من عند الله ويطمئنه ويبشره بالنبوة بدلا من تركه في حيرة وخوف واضطراره للذهاب لورقة وهو الذي أخبره أنه لابد وأن يكون هذا هو الملاك جبريل! فالغريب أن القرآن نفسه عندما روى قصة سماع موسى لصوت الله وخوفه مما سمع رد عليه الله قائلا: “یَـٰمُوسَىٰ لَا تَخَفۡ إِنِّی لَا یَخَافُ لَدَیَّ ٱلۡمُرۡسَلُونَ” [النمل ١٠] فلماذا لم يقل جبريل ذلك لمحمد ليهدئه؟
النقطة الثانية التي توقفت عندها هي طلب جبريل من محمد ثلاث مرات أن يقرأ، والمفترض أنه لو كان ملاكا من عند الله سيعلم بأنه أمي لا يستطيع القراءة فلماذا يطلب منه أمرا يعلم مسبقا أنه لا يستطيع أن يفعله؟! وإذا كان الهدف من طلبه هو إظهار أمية محمد وأن الله هو القادر أن يجعله يقرأ فلماذا لم تحدث له معجزة بعد هذه الواقعة ويجد نفسه فجأة وقد استطاع القراءة؟ لم أستطع أن أفهم بالفعل عندما قرأت هذه القصة بتمعن وتدبر للمرة الأولى وليس بشكل عابر وتلقائي كما اعتدنا منذ الصغر عندما كانوا يرددون هذه القصة على مسامعنا دون أن تثير بداخلنا أية تساؤلات لأننا لم نكن وقتها نفكر فيما يقال لنا وإنما علينا فقط الإيمان دون تفكير أو تأمل أو طرح تساؤلات. المهم أن ما حدث بعد ذلك لابد وأن يثير الشكوك ولابد من التوقف عنده كثيرا. حيث يروي البخاري عن عائشة[16] قولها: “ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ. وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَة حتَّى حَزِنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -فِيما بَلَغَنَا- حُزْنا غَدَا منه مِرَارا كَيْ يَتَرَدَّى مِن رُؤُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ، فَكُلَّما أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ منه نَفْسَهُ، تَبَدَّى له جِبْرِيلُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، إنَّكَ رَسولُ اللَّهِ حَقّا، فَيَسْكُنُ لِذلكَ جَأْشُهُ، وتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عليه فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذلكَ، فَإِذَا أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى له جِبْرِيلُ فَقالَ له مِثْلَ ذلكَ”!!!!! والغريب أنه رغم ورود هذه القصة في صحيح البخاري الذي يرى المسلمون أنه أصح كتاب بعد القرآن، ورغم أن عائشة هي التي روت هذه القصة إلا أن الكثير من العلماء يشككون بها لأنه لو صحت تلك القصة فإنها ستدل على خلل نفسي كبير وعلى تشكيك في قصة الوحي من الأساس. فكيف لنبي أن يحاول الانتحار مرتين؟ ولماذا يتركه الله في هذا الحال. يظهر له ملاك على هيئة بشر بطريقة مخيفة دون أن يخبره بهويته أو بما يريده منه، ثم يتركه لفترة طويلة تجعله يقترب من الجنون وتساوره الشكوك ثم بعد ذلك يقرر الله أن يتحنن عليه ويرسل له جبريل ليمنعه من الانتحار وليؤكد له أنه نبي! فمن يقرأ الكتاب المقدس يجد مئات المواقف التي حدثت بين الأنبياء والملائكة لكنه لا يجد أمرا عجيبا كهذا. فالله إذا اختار شخصا للنبوة وأرسل له ملاكا يكون واضحا في رسالته، ثم يتابع الرسائل السماوية ولا يتوقف بشكل فجائي وكامل ليثير الشكوك والمخاوف في نفس هذا النبي.
لكن محاولتي انتحار محمد ستقودنا للقضية المفصلية بشأن قصة النبوة هذه. لكن أولًا علينا أن نقرأ ما كان يحدث لمحمد عندما يأتيه جبريل، قال أبو أروى الدوسي[17] رضي الله تعالى عنه: رأيت الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه على راحلته فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنقصم، فربما بركت وربما قامت موتدة يديها حتى يسرى عنه عن ثقل الوحي، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان.
وكان محمدا يقول: “كان الوَحيُ يَأتيني عَلى نَحْوَينِ: يَأتيني بِه جِبريلُ فيُلقيه عليَّ كما يُلقي الرَّجلُ عَلى الرَّجلِ، فَذاك يَنفلِتُ منِّي، وَيَأتيني في بَيْتي مِثلَ صوتِ الجَرسِ حتَّى يُخالِطَ قَلبي، فَذاك الَّذي لا يَنفَلِتُ منِّي[18]. أنَّ الحارِثَ بنَ هِشامٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه سَأَلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أحْيانا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وهو أشَدُّهُ عَلَيَّ، فيُفْصَمُ عَنِّي وقدْ وعَيْتُ عنْه ما قالَ، وأَحْيانا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلا فيُكَلِّمُنِي فأعِي ما يقولُ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقا”[19]، وعن أبي هريرة: ” كان إذا نزل عليه الوحيُ صُدِعَ فيُغَلِّفُ رأسَهُ بالحنَّاءِ”[20] فهل سبق وأن سمع أحد عن أعراض كهذه حدثت مع أي نبي عند نزول وحي عليه أو لقاءه بملاك؟
فإذا عرفنا أيضًا ما قاله ابن إسحاق في سيرته[21] من أن محمدا كان يُرقى من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن، فما أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك. فكان يصيبه قبل نزول القرآن ما يشبه الإغماء بعد حلول الرعدة به وتغمض عينيه وغطيطه كغطيط البكر. فقالت له خديجة: “أوجه إليك من يرقيك؟” قال: “أما الآن فلا”. وروي عن حليمة السعدية مرضعته أن زوجها قال لها عن محمد وقت أن كان صغيرا: “لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب بمس من الجن فألحقيه بأهله قبل أن يظهر به ذلك”.
إذا يمكننا أن نجمل الأعراض التي كانت تحدث له منذ طفولته في: تصبب العرق. تبدل لون الوجه. احمرار الوجه. تتابع الأنفاس وترددها. الغطيط. انبعاث الأزيز ناحية رأسه. ثقل الوزن. الصداع. فماذا يقول الطب العصبي عن هذه الأعراض؟
عادة ما يعاني مريض صرع الفص الصدغي بالتحديد من مثل هذه الأعراض التي لا تتوافق بأي شكل من الأشكال مع النبوة أو مع الظهورات الروحانية. وفي رأيي أن هذا ما يفسر القصة كلها. فأعتقد أن محمدا كان منذ صغره مريضا بالصرع وفي ذات الوقت كان لدية رغبة شديدة في الوصول لله مع رفضه عبادة الأصنام واطلاعه على الأديان الموجودة وقتها في الجزيرة العربية وخلواته المتعددة في الغار. كل هذه الأمور أعتقد أنها أوصلته لوهم النبوة وتصور أن ما يحدث معه من أعراض نفسية وعصبية هو دليل على نزول وحي سماوي عليه. وبرأيي أن محمدا كان شخصا واسع الإطلاع وشديد الذكاء وبه جوانب إنسانية جيدة أثارت احترام ومحبة الكثيرين له، لكن في فترة المدينة بعد ازدياد أتباعه بشكل كبير وازدياد غنائمه طغى عليه الجانب المادي والشهواني وتوسعت رغباته في القتل والقمع والرغبة في إلغاء كل المعارضين له والرافضين لإتباعه. وقام بوضع نفسه في الآيات بشكل مساوي ومجاور تماما لله.
فهل يمكن أن يكون مليارات المسلمين على مدار الآلف والأربعمائة سنة قد وقعوا ضحية لشخص مريض عقليا؟ وماذنب كل من قتلوا على يد المسلمين وكل هذه الكراهية التي تمت زراعتها على مدار قرون؟ ليس لدي إجابة مع الأسف لكنني أثق أن لله حكمة إلهية في هذا الأمر، وأنه أعطى لكل شخص عقلا ليفكر به ويتخذ الطريق الحق. لكن المشكلة أن أغلب المعلومات والقصص والأحاديث التي ذكرتها لا يتم مناقشتها عادة بشكل مفتوح ولا يتم تعليمها للطالب أو الحديث عنها في خطب الجمعة أو اللقاءات الدينية. لكن مع الإنفتاح المعرفي والثورة التكنولوجية ووجود كافة المعلومات على شبكة الإنترنت أتاح ذلك لملايين المسلمين الإطلاع على الكثير مما تم إخفاؤه وقرر الكثيرون البحث واطلعوا على الكتابات النقدية للإسلام وهو ما أدى لأكبر موجة خروج من الإسلام في السنوات الأخيرة خاصة في الدول العربية وعلى رأسها السعودية. واعتنق الملايين المسيحية خصوصا مع ازدياد القنوات التبشيرية والمواقع التي قدمت الحقائق عن الديانة المسيحية التي تم تشويهها لقرون عدة. ولم يعد بالإمكان إخفاء النور الإلهي الذي يزداد سطوعا في الكثير من الدول وداخل الكثير من القلوب التي كانت تمتلئ بالظلمة والكراهية.
وأتحول لقصة أخرى غاية في الأهمية. فربما تكون قد سمعت يوما عن الرواية الشهيرة “آيات شيطانية” للكاتب الباكستاني الأصل سلمان رشدي والتي أثارت غضب الكثير من المسلمين وقامت العديد من المظاهرات الغاضبة في الدول الإسلامية احتجاجا عليها بعد صدورها عام 1988. وتلقى مؤلفها سلمان رشدي الآلاف من رسائل التهديد بالقتل. كما أصدر الخميني فتوى تبيح دمه. فما قصة الآيات الشيطانية الحقيقية؟
اقتبس الكاتب اسمها من واقعة مذكورة في العديد من كتب التراث الإسلامي وتحكي أنه ذات يوم كان محمد مجتمعا بعدد كبير من المشركين وكان معه بعض من أتباعه وتمنى أن يأتيه من الله ما يقرب بينه وبين المشركين. فقرأ عليهم من سورة النجم: “إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قرَأَ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) [النجم: 19، 20]، تلك الغَرانيقُ العُلَى، وإنَّ شَفاعتَهنَّ لَتُرْتَجى. ففرِحَ المُشرِكونَ بذلك وقالوا: قد ذكَرَ آلهتَنا”. فسجد المشركون عند سماعهم تمجيد محمد لآلهتهم اللات والعزى وفرحوا لأن محمدا لأول مرة يذكر آلهتهم بخير وقالوا: “ما ذكرت آلهتنا بخير قبل اليوم”. فسجد المسلمون والمشركون معا. وبلغ ذلك الأمر عامة الناس. وفي المساء تقول الروايات الإسلامية أن جبريل عرض عليه السورة فلما بلغ الجملتين اللتين ألقى بهما الشيطان عليه قال له جبريل: “ما جئتك بهاتين. لقد تلوت على الناس ما لم آتك به من الله عز وجل”. فقال محمد: “افتريت على الله وقلت ما لم يقل”. فأوحى الله إليه: “وَإِن كَادُوا۟ لَیَفۡتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ لِتَفۡتَرِیَ عَلَیۡنَا غَیۡرَهُۥۖ وَإِذࣰا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِیلࣰا” [الإسراء ٧٣- ٧٤] لكنه بقي مغموما حزينا يلوم نفسه حتى أنزل الله عليه: “وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِهِۦ فَیَنسَخُ ٱللَّهُ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ” [الحج ٥٢]!!!!
ورغم ورود هذه القصة في الكثير من المصادر الإسلامية الموثوقة إلا أن البعض يشكك في صحتها، لكنهم لا يقدمون تفسيرا واضحا عن سبب نزول هذه الآية الأخيرة. فكيف يسمح الله للشيطان بأن يضل أنبياءه ويوحي لهم بما يظنوه وحيا إلهيا، وبعد أن يقوموا بإلقاءه على الناس يعود الله بعد فترة لينفي أن ما قيل كان منه وإنما من الشيطان! تعالى الله عن ذلك. فلم يذكر في الكتاب المقدس ولا مرة واحدة أن حدث أمر مثل ذلك مع أي نبي من الأنبياء. ثم ما الذي يؤكد أن هذا الأمر لم يحدث في غير هذه الآيات؟ وما الدليل أصلا على أن جبريل هو من كان يأتيه وليس الشيطان؟ فبحسب الإنجيل: “وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إلى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ!” (2 كو 11: 14).
والواقعة الأخرى التي تنفي نبوته ويؤكد علماء المسلمين صحتها هي تعرض محمد لسحر من شخص يهودي يدعى لبيد ابن الأعصم بحسب قولهم. عمل له سحرا فصار يخيل إليه أنه فعل بعض الشيء مع أهله وهو لم يفعله. لكنهم يؤكدون أنه احتفظ بعقله وشعوره وتمييزه فيما يحدث به الناس! لكنه أحس بشيء أثر عليه بعض الأثر مع نسائه. حتى قرر الله أن يرسل له جبريل ليخبره بما حدث، فبعث من استخرج هذا السحر من البئر. وأنزل الله عليه المعوذتين فقرأهما وزال عنه كل أثر لهذا السحر! ولا أدري كيف يسمح الله بأن يقع سحر على أحد أنبيائه يؤثر على قدراته العقلية ويجعله يتوهم؟ ولماذا لم يرسل جبريل مبكرا فور وقوع هذا السحر ليخبره ويبطل أثره؟ لماذا أشعر دائما في الإسلام أن هناك ازدحاما في الطريق بين السماء والأرض؟ فالكثير من المواقف كانت تستلزم تدخلا سماويا سريعا، كما في حادثة الإفك التي خاض فيها البعض في عرض عائشة زوجة محمد وتركت المنزل وذهبت عند أبيها وظل هو حائرا في براءتها من شائعات طالتها عن علاقة غير شرعية جمعتها بصفوان ابن المعطل. حتى أن البعض ومنهم علي ابن أبي طالب طالبوه بتطليقها لكنه لم يستطع اتخاذ قرار مناسب لأنه لم يستطع التأكد من براءة زوجته وفي الوقت نفسه لم يتمكن من اتهامها صراحة. وتركته السماء حائرا حوالي الشهر حتى نزلت الآيات التي برأتها حسبما ذكر.
ومن الآيات التي توقفت عندها أيضا: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ” [آل عمران ١٤٤]،أفلم يكن الله يدري أية ميتة سيموتها محمدا وهل سيموت نتيجة مرض أو وفاة طبيعية أم سيقتله أحد؟