هل الكتاب المقدس اتحرّف فعلًا؟
البعض يقول : قد حُرّف الكتاب المقدس؟ فإن كان قد حُرّف، فمتى حدث ذلك؟ ومن الذي قام به؟ وكيف سمح الله بهذا؟
هذه الأسئلة تُجاب عليها من خلال أربعة أدلة تؤكد استحالة تحريف الكتاب المقدس، منها دليلان من خارج الكتاب، ودليلان من داخله.
أولاً: الدليل المنطقي أو العقلي
إن كنا نؤمن بوجود الله، فلابد أن نؤمن بقدرته الكاملة على حفظ كلمته. فالله الذي خلق الكون بكلمته، لا يمكن أن يعجز عن حفظ كلمته المكتوبة.
الله كلّم الأنبياء والرسل ليعلن لنا إرادته، فهل يعقل أن يسمح بأن تُحرّف هذه الرسالة التي أرسلها للبشر؟
إن سمح الله بتغيير كلمته، فهذا يعني أنه سمح بتضليل البشرية، وهو أمر يتعارض تماماً مع طبيعته الإلهية الصالحة. لذلك وعد الله في الكتاب بأنه سيحفظ كلمته من جيل إلى جيل، كما قال المسيح نفسه:
«إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل» (متى 5:18).
إذن، حفظ الكتاب المقدس ليس مسؤولية البشر، بل مسؤولية الله نفسه الذي أوحى به.
ثانياً: الدليل العلمي أو المادي
هذا الدليل يقوم على المخطوطات القديمة، وهي نسخ مكتوبة بخط اليد قبل اختراع الطباعة.
لقد اكتُشف عدد هائل من هذه المخطوطات في أماكن متعددة مثل فلسطين ومصر والأردن، بلغ عددها نحو 24 ألف مخطوطة للعهد الجديد وحده، بالإضافة إلى مئات الآلاف للعهد القديم.
من أشهرها:
ـ بردية جون رايلاند (52) وتعود إلى سنة 130م وتحتوي على آيات من إنجيل يوحنا.
ـ المخطوطة السينائية (حوالي سنة 300م).
ـ المخطوطة الفاتيكانية (حوالي سنة 350م).
وعند مقارنة هذه المخطوطات عبر العصور، نجدها متطابقة في نصوصها الأساسية، مما يثبت أن نص الكتاب لم يتغيّر. والفارق الزمني بين كتابة إنجيل يوحنا (حوالي 90م) وأقدم مخطوطة له (130م) لا يتجاوز 40 عاماً، أي في حياة الجيل الأول من المسيحيين، وهو دليل قوي على سلامة النص.
كذلك نجد ترجمات قديمة تؤكد نفس النصوص مثل:
ـ الترجمة السبعينية (قبل الميلاد بثلاثة قرون).
ـ الترجمة اللاتينية فولجاتا (القرن الرابع الميلادي).
ـ الترجمة السريانية البشيطا (القرن الخامس الميلادي).
بالإضافة إلى أقوال الآباء الأوائل الذين اقتبسوا في كتاباتهم أكثر من 36 ألف اقتباس من العهد الجديد، تكفي لتجميعه بالكامل حتى لو فُقدت كل المخطوطات، مما يجعل التحريف أمراً مستحيلاً علمياً وتاريخياً.
ثالثاً: الدليل التاريخي
التاريخ نفسه يشهد لصحة الكتاب المقدس. فالمؤرخون القدماء مثل يوسيفوس اليهودي وبليني الروماني وتاسيتوس ذكروا المسيح وأحداث الإنجيل مثل صلبه وقيامته. هذه الشهادات من خارج الكتاب تدعم صدق روايات العهد الجديد.
كما أن اليهود أنفسهم احتفظوا بالعهد القديم بدقة شديدة، وكان الكتبة ينسخونه بعناية فائقة تحت قوانين صارمة تمنع أي خطأ أو نقص. والمسيحيون ورثوا هذا الحرص نفسه في نقل العهد الجديد.
رابعاً: الدليل اللاهوتي
الكتاب المقدس كتبه أكثر من أربعين كاتباً على مدى أكثر من ألف عام، ومع ذلك يتّسم بوحدة الفكر والهدف، إذ يعلن جميعه عن خطة الله لخلاص الإنسان.
فلو كان هناك تحريف أو تدخل بشري، لظهر التناقض بين الأسفار والأنبياء، لكننا نجد انسجاماً مذهلاً بين العهدين القديم والجديد.
بل إن العهد القديم نفسه يحتوي على أكثر من 300 نبوّة عن مجيء المسيح تحققت بدقة في شخص يسوع، مثل نبوّة إشعياء:
«ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل» (إشعياء 7:14).
وهذا يثبت أن الكتاب كله مترابط ومتكامل، يستحيل فصله أو التلاعب به.
فالتحريف في الكتاب المقدس أمر مستحيل عقلاً وتاريخاً وعِلماً ولاهوتاً.
فالله الذي أوحى بكلمته هو نفسه الذي حفظها، والمخطوطات والترجمات القديمة تؤكد أن ما بين أيدينا اليوم هو نفس الكلمة التي أوحى بها الله منذ آلاف السنين.
إن إنكار حفظ الكتاب المقدس ليس طعناً في المؤمنين، بل في الله نفسه، لأنه يعني أنه لم يقدر أن يحفظ كلمته – وهذا ما لا يمكن أن يكون.