من الذي قام بصلب المسيح ؟ ولماذا؟

من الذي صلب المسيح؟ ولماذا حدث ذلك؟ وهل يُعقل أن الله يسلّم نبيه أو رسوله للصلب؟ أليس الله قديرًا قادرًا أن ينجيه؟ هذه أسئلة صادقة، ومن حق السائل أن يجد إجابة واضحة لا تقوم على التقليد، بل على فهم الكتاب المقدس نفسه.

أولاً: من الذى صلب المسيح؟

حين نقرأ الأناجيل نجد أن المسؤولية لم تقع على طرف واحد فقط، بل عدة أطراف:
– الزعماء الدينيون من اليهود: هم الذين رفضوا المسيح لأنه كشف رياءهم وادعاءهم البرّ، فخططوا ليمسكوه ويدينوه. يقول الكتاب: “فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه” (يوحنا 11: 53).
– الرومان بقيادة بيلاطس البنطي: هم الذين امتلكوا السلطة السياسية والقوة العسكرية، فمع أن بيلاطس أعلن: “لست أجد فيه علة” (يوحنا 18: 38)، لكنه خضع للضغط الشعبي وسلّمه للصلب حفاظًا على مركزه السياسي.
– الجماهير: صرخوا: “اصلبه! اصلبه!” (لوقا 23: 21). كانوا قد انتظروا مسيحًا سياسيًا يحررهم من الرومان، لكن يسوع لم يأت بهذا الهدف بل لرسالة أعمق، فخيّب ظنهم، فانقلبوا عليه.
– خيانة يهوذا: أحد التلاميذ سلّمه مقابل ثلاثين من الفضة (متى 26: 15).
إذن، من الناحية البشرية، صلب المسيح نتيجة تواطؤ بين الزعماء الدينيين، السلطة السياسية، ضغط الجماهير، وخيانة أحد أتباعه.

ثانياً: لماذا صُلب المسيح؟

هنا قلب السؤال، وهو ما يحير عقل المسلم: لماذا يسمح الله أن يُصلب المسيح وهو نبي كريم؟ والجواب بحسب الكتاب المقدس يختلف عن التصور البشري. الصليب لم يكن صدفة، ولا مجرد مؤامرة بشرية، بل كان في قلب خطة الله منذ الأزل. فالصليب ليس هزيمة بل تدبير إلهي: والمسيح نفسه قال: “لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي” (يوحنا 10: 17-18). أي أن يسوع لم يُغلب بالقوة، بل اختار بإرادته أن يسلم نفسه. فالهدف إذن هو: خلاص الإنسان. الكتاب يعلن: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3: 16). الصليب كان الجسر الذي عبر به البشر من موت الخطية إلى حياة جديدة.
العدل والرحمة يلتقيان في الصليب: ربما يتسأل المسلم: “أليس الله غفور رحيم؟ لماذا لا يغفر ببساطة؟”
نعم، الله رحيم، لكنه أيضًا عادل. العدل الإلهي يعني أن الخطية لا يمكن أن تُترك بلا حساب، والرحمة تعني أن الله لا يشاء هلاك الخاطئ. فكان الحل أن يتحمل المسيح ثقل الخطية، لا ليدمر الإنسان بل ليحرره.

ثالثاً: الصليب في نظر المسلم والمسيحي

القرآن يقول: “وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم” (النساء 157). وقد يُفهم من هذا أن المسيح لم يُصلب إطلاقًا، بل نجا. بينما يصرّ الكتاب المقدس بوضوح أن المسيح صُلب ومات وقام.
هنا نقطة الحوار: المسيحي لا ينظر للصليب كفضيحة أو عجز، بل كقوة الله للخلاص (1كورنثوس 1: 18). المسلم يرى أن الله قد نجا أنبياءه من الإهانة، والمسيحي يرى أن المسيح قبِل الألم طوعًا ليُظهر عمق محبة الله.
السؤال هل يمكنك أن تصدق أن الله يحبك إلى هذا الحد؟

رابعاً: كيف نفهم الصليب اليوم؟

الصليب ليس مجرد حدث تاريخي حدث قبل ألفي عام، بل هو إعلان مستمر عن طبيعة الله: الله لا يتغاضى عن الشر (عدله). الله لا يترك الإنسان لهلاكه (رحمته). الله أحب حتى بذل (نفسه). فالذي صلب المسيح هو: البشر بخطاياهم، اليهود بحسدهم، الرومان بضعفهم، والجماهير بجهلهم. ولماذا صُلب؟ لأنه أحب، ولأن خطة الله منذ البدء كانت أن يسترد للإنسان إنسانتيه من خلال منحه حياته. إذن: الصليب ليس علامة ضعف، بل علامة حب. هو الجواب العملي عن أعمق سؤال يطرحه الإنسان: هل الله يهتم بي؟ والجواب يأتي من على خشبة: “نعم، أحببتك حتى الموت”.