من مصر

كنت قبل إيماني بالمسيح أعتنق ديانة نتكر حقائق الإيمان المسيحي، فهي تنكر الثالوث الأقدس ، ولاهوت المسيح، وتجسُّده وصلبه وقيامته، وتنكر الخلاص بدمه. وفي يوم وجدت حواراً يدور بيني وبين نفسي عن الأسانيد التي لابد يستند المسيحيون إليها في إيمانهم بالمسيحية . وقلت إنه يوجد حتماً لديهم من الأدلة والبراهين ما يجعلهم يعتنقون حقائق إيمانهم، لا سيما أن المسيحية بلغت من العُمر قرابة الفي عام . والمعروف تاريخياً أنها لم تنتشر قسراً ، كما أن الشعوب التي تعتنقها بلغت شأواً كبيراً من العلم والمعرفة مما لا يستقيم معه القول إنهم على جهل فيما يعلمون عن ديانتهم . كما أن حرية الفكر والبحث في الدول المسيحية كفيلة بإظهار ما هو صحيح وما هو باطل . فلو كانت المسيحية غير صحيحة لما كتب لها الصمود والبقاء بين أرقى الشعوب علماً وفكراً .
وكان أن اتخذتُ قراراً هو قراءة الكتاب المقدس بغية الوقوف على الأسانيد التي يستند عليها المسيحيون ، وأنا حريص الحرص كله على التزام التجرُّد والحَيْدة ، وأن يكون حُكمي على كل أمر من الأمور بالطريقة القانونية – بمعنى أن يكون الحكم على أساس من الأدلة ـ وجودها أو افتقارها.
وما أن بدأتُ أتعمق في قراءة الكتاب المقدس بعقل وقلب مفتوح ، لتقُّبل الحقيقة وعقلي والحقيقة وحدها ، حتى وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام حقائق روحية غمرت كل قلبي وعقلي .
وكانت اللحظة الحاسمة في حياتي ، وهي أغلى لحظة من عمري ، لحظة انتقالي إلى الإيمان وتسليم حياتي للرب يسوع المسيح الفادي المخلص . وكان ذلك معاصراً لقراءتي لبعض النبوات عن آلام المسيح على الصليب.
وقد تبّينْتٌ أن الكتاب المقدس يتضمن ٣٦٦ نبوّة عن الرب يسوع ، منها نبوات سبقت مجيء الرب بأكثر من ألف سنة ، جاءت بأدق التفاصيل عن آلام الصليب.
وكل النبوات تحققت بحذافيرها.
والحقيقة أن هذه النبوات تُثبت كل حقائق الإِيمان المسيحي . تثبت أن الرب يسوع هو الفادي المخلّص الذي أخبرت عنه النبوات ، وتثبت صَلْب المسيح الذي تحقق بالصورة التامة التي جاءت بها النبوات ، وتثبت كل ما انطوت عليه هذه النبوات وهي في مجملها تشمل كل حقائق الإيمان المسيحي .
وقد تحقَّقَتْ خمس وعشرون نبوة من هذه النبوات خلال الأربع والعشرين ساعة ، يوم كفارة الرب يسوع المسيح على الصليب .
وقرأت كثيراً عن لاهوت المسيح ، وتبيَّنْتُ أن إنكار لاهوت المسيح لا يصمد أمام عشرات الحقائق التي لا يمكن دحضها أو جحدها ، فمثلاً توجد عشرون حقيقة نسبها الرب يسوع إلى ذاته ، وكلها من خصائص الله وتدل على لاهوت المسيح بصفة قاطعة.
فهل تأتي هذه الحقائق الإِلهية لبَشر ، أم تدل دلالة قاطعة على لاهوت المسيح ؟ لا شك أنها تدل على لاهوت المسيح.
وبالمثل الحقائق عن صلب المسيح وقيامته ، فهي حقائق ثابتة لا سبيل لإِنكارها سوى الإنكار الذي لا يسانده دليل أو برهان.
ومثلاً التجسد ـ نحن نعلم أن الله أعلن ذاته في الضمير ، وفي الطبيعة ، وفي الكتاب ، ثم أعلن نفسه آخر الأمر في التجسُّد الذي هو مجد الإعلانات الإلهية.
فلماذا ننكر ونجحد ظهور الله في الجسد ؟
وإذ كنت قد قرأت عشرات المراجع في كل موضوع من موضوعات الإيمان المسيحي ، واكتسبت من ذلك المعرفة العقلية بهذه الأمور ، إلا أن هذه المعرفة لم تكن وحدها المؤدية إلى إيماني وتسليم حياتي للرب يسوع المسيح الفادي المخلص ، إذ أنه ربما يكون صحيحاً أن الحقائق الإيمانية يتلقَّاها الروح والعقل معاً . الروح تتلقى المعرفة من مصدرها وهو الله . أما المعرفة العقلية فهي اكتسابية تأتي من القراءة أو السماع.
والمعرفة العقلية تعتمد على المعرفة الروحية وليس العكس . والمعرفة العقلية مهما زادت لا تعطي وحدها الإيمان والإيمان العقلي وحده لا ينشيء تغييراً في الحياة.
والإيمان بالرب يسوع المسيح قبل أن يكون معرفة هو اختبار . وهذا الاختبار يغذي المعرفة وينمِّيها . وقد اختبرتُ المسيح في حياتي _ بالإيمان _ فأحسستُ بوجوده وجوداً حقيقياً . وهذا الاختبار يغذي المعرفة وينمِّيها . وقد اختبرتُ المسيح في حياتي _ بالايمان _ فأحسستُ بوجوده وجوداً حقيقياً . وهذا الوجود الحقيقي لم يتأتَّ بالمعرفة العقلية أو بالِإيمان العقلي ، بل بالإِيمان الروحي الذي نُولد به من الله ولادة روحية.
وبعد أن آمنتُ بدأت أفكر في غيري من أبناء بلدي غير المؤمنين . وتمنيتُ لو أن الجميع يخلصون . والحقيقة أن الكثيرين من غير المسيحين يجهلون المسيحية جهلاً تاماً ، أو أن معرفتهم معرقة ضحلة هزيلة . والقليل الذي يحاول أن يقرأ شيئاً عن المسيحية يقرأها في إطار ديانته . والبعض لا يسمح لنفسه البتة بقراءة أي نقد يُوجَّه لديانته . ومن هنا فإنه يجهل الكثير من الحقائق عن ديانته . وكل ما أرجوه أن يجيء الناس للمسيح ، كما أعلنه الكتاب المقدس، بعقل وقلب مفتوحين للحق ، ليكتشفوا ما أعلنه روح الله لعقلي وقلبي .